التدريس والتعلم

أخلاقيات البحث العلمي والصفات التي يجب أن يتحلى بها الباحث


وحتى يحقق البحث العلمي الفائدة ويكون بمستوى جودة عالٍ، لا بدَّ للباحث الذي يقوم به من الالتزام بما يُسمى بـ “أخلاقيات البحث العلمي”، وهي ما سنتعرَّف إليه بالتفصيل في السطور القادمة.

أولاً: مفهوم أخلاقيات البحث العلمي (Research Ethics):

البحث العلمي: هو نشاط إنساني يستخدم طريقة علمية تستند إلى العقل والواقع في حل مشكلة، أو تصحيح فرضيَّة، أو التحقُّق من نتائج دراسة سابقة، أو الوصول إلى معلومات جديدة، ويأخذ البحث منهجية معينة تتضمن: المقدمة، ومشكلة البحث، ومنهج البحث، وخطة البحث، وفرضيات البحث، ونتائج وتوصيات، وقائمة المصادر والمراجع. ويقوم به شخص مؤهل علمياً يُسمى بـ “الباحث العلمي”.

أخلاقيات البحث العلمي:

  1. يُقصد بمصطلح “أخلاقيات البحث العلمي”: تطبيق القواعد الأخلاقية ومدوِّنات السلوك المهني عند إعداد الأبحاث العلمية؛ بدءاً بجمع المعلومات وتحليلها حتى التوصُّل إلى النتائج، وخاصةً فيما يتعلق بحقوق الآخرين من ملكية فكرية وأمانة علمية.
  2. تُعَدُّ أخلاقيات البحث العلمي عاملاً حاسماً في نجاح البحث العلمي وجودته؛ لذا لا بدَّ أن يأخذها الباحث في الحسبان عند قيامه بالبحث العلمي.
  3. توجد لجان للأخلاقيات في الجامعات؛ وتكون وظيفتها التدقيق في مدى التزام البحث العلمي بأخلاقيات البحث العلمي، وتُقدِّم هذه اللجان نموذجاً معيارياً يتعيَّن على طالب الدراسات العليا مراعاته والالتزام به حتى يحصل على موافقة اللجنة، ويتناول النموذج طريقة جمع البيانات، والتعامل مع عينة الدراسة، وهل حصل الباحث على موافقة أفراد العيِّنة قبل استطلاع آرائهم أم لا، كما تتأكَّد لجنة الأخلاقيات من انسجام أهداف الدراسة مع الإجراءات البحثية التي يجريها الباحث، وفي حال إثارة أي مقترح بحثي لقضية أخلاقية ما، تطلب اللجنة من الباحث أن يُعيد النظر في دراسته.

ثانياً: أهمية أخلاقيات البحث العلمي:

تتمثل أهمية أخلاقيات البحث العلمي بما يلي:

  1. يؤدي الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي إلى تعزيز أهداف البحث العلمي والتي من أهمها زيادة المعرفة.
  2. يدعم الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي التعاون والاحترام المتبادل بين الباحثين.
  3. التمكين من مساءلة الباحث عن تصرفاته في أثناء إعداد البحث.
  4. يمنح الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي المصداقية والموثوقية للبحث أمام لجنة التحكيم أو القراء.

ثالثاً: ما هي أخلاقيات البحث العلمي؟

تتمثل أخلاقيات البحث العلمي الالتزام بما يلي:

1. الأمانة والصدق والشفافية:

تُعَدُّ الأمانة واحدة من أهم أخلاقيات البحث العلمي؛ بمعنى أن يذكر الباحث كل مصدر استخدم منه معلومة، ويستعرض النتائج التي توصَّل إليها بحثه بكل صدق وموضوعية دون تغيير أو تزوير أو تحريف، ودون التأثُّر في رأيه أو في آراء الآخرين، ويبتعد عن المبالغات أو التضليل أو الاحتيال في بحثه العلمي.

2. الدقة والتنظيم:

من أخلاقيات البحث العلمي توخي الدقة والتنظيم في كل مراحل العمل، وتجنُّب التسرُّع والعشوائية لعدم الوقوع في الأخطاء، ومن ثم التوصُّل إلى نتائج غير دقيقة.

3. الحياد والموضوعية:

يُعَدُّ الحياد والموضوعية من أهم أخلاقيات البحث العلمي؛ وهي أن يطرح الباحث المعلومة بكل حياد وموضوعية، متجنباً التأثُّر في آرائه أو ميوله أو آراء الآخرين وخصوصاً في مرحلة مناقشة الدراسة.

4. السرية:

السرية هي إحدى أخلاقيات البحث العلمي؛ وهي أن يُحافظ الباحث على سرية المعلومات الخاصة أو الحساسة منها، كالأسرار التجارية أو العسكرية، أو أسماء الموظفين.

5. احترام جهد الآخرين والملكية الفكرية:

حتى يكون البحث العلمي مُلتزماً بأخلاقيات البحث العلمي يجب على الباحث أن يحترم جهد غيره والملكية الفكرية؛ وذلك بأن يُوثِّق كل ما يستشهد به في دراسته لصاحبه الأصلي، وألَّا ينتحل صفة أي شخص، وألَّا يقتبس معلومة أو فكرة لغيره وينسبها إلى نفسه.

6. احترام عينة الدراسة:

عينة الدراسة إذا كانت بشرية، فلا بدَّ أن يحترمها الباحث؛ وذلك بالحفاظ على سرية المعلومات المرتبطة بأمورهم الشخصية أو المرضية، واحترام رغبتهم في حال قرروا عدم المشاركة أو الانسحاب من الدراسة العلمية، ومصارحتهم بأي خطر قد تُشكله عليهم الدراسة.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

 

7. المسؤولية الاجتماعية:

من أخلاقيات البحث العلمي أن يشعر الباحث بالمسؤولية الاجتماعية تجاه مجتمعه، وينهض به من خلال انتقاء موضوع يُفيد المجتمع ويُعالج مشكلة يعاني منها، ويتوصَّل إلى نتائج قابلة للتطبيق، وتقع على الباحث أيضاً مسؤولية اختيار المكان المناسب لنشر بحثه؛ كالمجلات العلمية المُحكمة الموثوقة والمعتمدة.

8. الالتزام بالقوانين والأعراف:

إحدى أخلاقيات البحث العلمي هي أن يختار الباحث موضوعاً أو مشكلة بحثية شرعية لا تتخالف مع القوانين أو الأعراف المجتمعية.

9. الاعتناء بالحيوان:

أيضاً من أخلاقيات البحث العلمي الاعتناء بالحيوانات التي قد يستخدمها الباحث في البحث، وتجنُّب إجراء التجارب غير الضرورية عليها.

رابعاً: الصفات التي يجب أن يتحلى بها الباحث:

الباحث هو شخص يستخدم التفكير العلمي والتفكير النقدي في دراسة قضية أو مشكلة ما وتحليلها وتفسيرها؛ وذلك للوصول إلى أفضل الحلول والاقتراحات، وحتى ينجح الباحث في عمله البحثي يجب أن يتمتع بمجموعة من الصفات وهي:

1. الرغبة والميول الشخصية:

الرغبة سر نجاح أي عمل؛ لذا حتى ينجح الباحث في بحثه ويُقدمه بأفضل مستوى لا بدَّ أن يمتلك الرغبة في إعداده، وميل شخصي إلى دراسة المشكلة وحماسة إلى حلها، والتوصُّل إلى نتائج تُميزه عن غيره من الأبحاث المماثلة.

2. حب الاستطلاع:

لا بدَّ أن يتَّصف الباحث بالفضول وحب الاستطلاع والتقصي، والرغبة في اكتشاف المجهول، وتقديم شيء جديد.

3. الإلمام بموضوع البحث:

من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الباحث هي إلمامه التام بموضوع بحثه، والاطِّلاع على الأبحاث والدراسات المرتبطة به، ومواكبة أيَّة تطورات في ذات المجال.

4. العقل التحليلي:

يحتاج الباحث إلى العقل التحليلي في البحث العلمي سواء في اختيار المنهجية المناسبة للبحث أم للأفراد المناسبين للدراسة أم لوضع أسئلة الاستبيان أم لتحليل أجوبة الأفراد وما وراء كلامهم أم لتحليل نتائج البحث.

5. الأمانة العلمية:

على الباحث أن يتحلى بالأمانة العلمية؛ وذلك بأن يكون أميناً في نقله لأيَّة معلومة، والالتزام بالتوثيق لجميع المصادر والدراسات والمراجع التي اقتبس منها أو استند إليها في بحثه.

6. الذكاء وسرعة البديهة:

يحتاج البحث العلمي إلى تحلي الباحث بالذكاء وسرعة البديهة في التحليل وربط الأفكار والتوصُّل إلى نتائج منطقية وإبداعية.

7. الصبر:

رحلة البحث العلمي ليست سهلة وتحتاج إلى الكثير من البحث والاطِّلاع، وتتخللها الكثير من الصعوبات سواء في الحصول على المعلومات أم في تحليلها أم في الظروف اللوجستية؛ لذا لا بدَّ أن يتحلى الباحث بالصبر وسعة الصدر والابتعاد عن اليأس أو التشاؤم والإحباط.

8. المرونة وتقبُّل النقد العلمي:

يمر البحث العلمي بالكثير من مراحل المناقشة والتصحيح؛ لذا لا بدَّ أن يتحلى الباحث بالمرونة، وتقبُّل النقد العلمي، وقناعته بأنَّ ذلك يخدم بحثه ويُطوره.

9. معرفة مناهج البحث:

يجب أن يكون الباحث على معرفة ودراية بالطرائق العلمية التي تُستَخدَم في البحث العلمي؛ وذلك في تحليل النتائج والتأكُّد من صحتها.

10. إدارة الوقت:

حتى ينجح الباحث في إنجاز البحث في الوقت المناسب لا بدَّ أن يتمتع بمهارة إدارة الوقت وتنظيم مهامه، ووضع جدول زمني لبحثه؛ إذ يُخصص وقتاً محدداً لكل مرحلة من مراحل البحث.

شاهد بالفديو: 5 خطوات فعالة تساعدك على تنظيم وقتك

 

11. مهارات التواصل الاجتماعي:

غالباً ما يضطر الباحث إلى اختيار عيِّنة من الأفراد والتعامل معها وتوجيه الأسئلة إليها وتقصي الأجوبة منها، وكل هذا يحتاج إلى تمتُّع الباحث بمهارات التواصل الاجتماعي حتى ينجح في التواصل مع أفراد العيِّنة على اختلاف شخصياتهم، والحصول على ما يريد.

12. استخدام التكنولوجيا:

بات اليوم الإنترنت بوابة للحصول على المعرفة؛ لذا لا بدَّ من أن يتمتع الباحث بمهارة استخدام التكنولوجيا والإنترنت للبحث والحصول على المعلومات، وربما توزيع الاستبيان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

خامساً: نصائح عامة حول أخلاقيات البحث العلمي:

  1. في حال شعرتَ بأنَّك محتار في موقف ما أو لديك شكوك حول أنَّه معضلة أخلاقية، فلا تتردد في طلب النصيحة من أهل الخبرة والاختصاص ومن أستاذك المشرف والزملاء الأقدم في المجال البحثي.
  2. طالع بشكل لامحدود، من اللحظة الأولى التي تختار فيها موضوع بحثك؛ لا تتوقف عن المطالعة حوله وقراءة الأبحاث والمراجع والمقالات التي تتناوله بأيَّة لغة كانت ومن أيَّة دولة كانت، فكلما طالعت أكثر عن الموضوع، أصبحت أكثر كفاءة في تناوله بكل جوانبه.
  3. عندما تُقرر العمل في مجال البحث العلمي؛ تعلَّم اللغة الانكليزية بمهارة؛ وذلك لأنَّك ستحتاج إلى البحث في المصادر والمراجع الأجنبية.
  4. اعتمِد الاختصار والوضوح والبساطة في كلمات البحث، وابتعد عن الأسلوب الغامض والمعقد والإطالة والشرح الزائد.
  5. ابدأ بالبحث العلمي بشكل موسع وعام؛ وذلك بالاطِّلاع على الموضوع من كافة جوانبه، وبعد تكوُّن صورة كاملة لديك تعمَّق في جانب ما بشكل تفصيلي.
  6. تحلَّ بالتصميم والإرادة؛ فطريق البحث العلمي ليس مفروشاً بالورود؛ بل هو طريق بحث ومثابرة وعلم تعترضه الكثير من الصعوبات والمعوقات، فلا يجب أن تفقد عزيمتك تحت أي ظرف، اجعل إنجاز البحث هدفاً لا يقبل المساومة لديك لأي سبب كان.
  7. اشعُر بالمسؤولية تجاه بحثك وتجاه جامعتك وتجاه مجتمعك.
  8. لا تجعل هدفك من البحث العلمي نيل الدرجة العلمية فقط؛ بل يجب أن يكون نابعاً عن رغبة لديك في تقديم الفائدة لمجتمعك.
  9. قدِّم نتائج بحثك كما هي مهما كانت، ولا تحاول تزييفها أو تجميلها.
  10. ابتَعِد عن الانفعال والعواطف؛ لأنَّ ذلك يُعرقل التفكير الموضوعي والمنهجي.
  11. تحلَّ بالثقة بالنفس وبالنتائج التي تصل إليها، فلن تستطيع إقناع أحد ببحثك ما لم تكُن واثقاً بنفسك وقدراتك.
  12. فكِّر خارج الصندوق وأَطلِق العنان للمخيلة.

في الختام: احترِم أخلاقيات أي عمل تقوم به

الأخلاقيات هي قواعد تُنظم حياتنا وأعمالنا؛ ففي كل مجالات الحياة توجد أخلاقيات يجب مراعاتها والالتزام بها؛ كأخلاقيات مهنة التعليم أو أخلاقيات مهنة الطب أو المحاماة وغيرها من المهن، وكلما التزم الإنسان بأخلاقيات مهنته، تميَّز أكثر وكسب احترام وتقدير الآخرين، والبحث العلمي حاله كحال أي عمل آخر نقوم به، وكما رأينا توجد أيضاً أخلاقيات تحكمه وتضبطه؛ إن التزمت بها كباحث، قدَّمت بحثاً بمستوى عالٍ ونال إعجاب وتقدير لجنة التقييم وكل قارئ يقرؤه، ولكنَّك إن ارتكبتَ أيَّة مخالفة لهذه الخلاقيات، فقد تكون أنهيتَ مسيرتك العلمية بيدك.

المصادر: 1، 2، 3، 4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى