التفوق الدراسي

الطريقة التي يدرس بها معظم الطلاب لا معنى لها، إليك الحلول


هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه عالما النفس بجامعة “واشنطن” في “سانت لويس” “هنري روديجر” و”مارك مكدانيل” اللذان أمضيا معاً 80 عاماً في دراسة أساليب التعلم وعمليات الذاكرة، وقد جمعا النتائج التي توصلا إليها مع الروائي “بيتر براون” في كتاب (Make It Stick: The Science of Success)، ونحن سنقدم في هذا المقال أهم النصائح والأساليب غير التقليدية التي تمكِّنك من استغلال الوقت بفاعلية أكثر والحصول على درجات أعلى.

استخدام استراتيجيات التعلم النشط هو الأكثر فاعلية:

يدرس معظم الطلاب من خلال إعادة قراءة أوراق الملاحظات والكتب المدرسية، لكنَّ أبحاث علماء النفس التي أُجرِيت على كل من التجارب المعملية والطلاب الفعليين في المدارس تُظهر أنَّ هذه طريقة رديئة لتعلم المواد؛ إذ يُعَدُّ استخدام استراتيجيات التعلم النشط مثل البطاقات التعليمية والرسم التخطيطي واختبار نفسك، أكثر فاعلية من الأساليب الأخرى مثل المذاكرة في أوقات متباعدة.

لماذا لا تستفيد حين تراجع ملاحظاتك وقراءاتك؟

نحن نعلم أنَّ غالبية الطلاب عندما يدرسون يعيدون قراءة الفقرات والملاحظات، ويقول معظم الطلاب إنَّ هذه هي استراتيجية الحفظ الأولى لديهم، ففي قراءتك الأولى لشيء ما تستخلص الكثير من المعلومات التي تحتاج إلى التفكير والفهم، لكن عندما تقوم بالقراءة الثانية تقرأ وأنت تقول في نفسك: “أنا أعلم هذا، وأنا أعلم هذا”؛ وهذا يعني أنَّك لا تعالج ما تقرؤه بعمق، وغالباً ما تكون إعادة القراءة خاطفة وسريعة وهي قراءة خادعة؛ لأنَّها تمنحك الوهم بأنَّك تعرف المعلومات جيداً، بينما في الحقيقة توجد ثغرات كثيرة في دراستك.

لماذا تحفظ أكثر حين تسأل نفسك الكثير من الأسئلة؟

من الأساليب الجيدة التي يمكنك استخدامها بدلاً من ذلك هي القراءة مرة واحدة، ثم اختبار نفسك إما باستخدام الأسئلة الموجودة في نهاية كل فصل أو كتابة أسئلتك الخاصة والإجابة عنها؛ وهذا يؤدي إلى تعلُّم أفضل وأعمق وذاكرة أكثر قوة، وحتى عندما لا تتمكن من تذكر جميع المعلومات وعندما تخطئ في الإجابة عن الأسئلة، فإنَّها تمنحك تشخيصاً دقيقاً لمكامن الضعف الموجودة لديك؛ وهذا يخبرك بما يجب عليك العودة إليه والتركيز عليه أكثر؛ وهذا يساعد بدوره على تطوير طريقة دراستك أكثر على نحو فعال.

كما يساعدك طرح الأسئلة أيضاً على الفهم بشكل أعمق، ولنفترض أنَّك تدرس مادة التاريخ، كيف كانت روما واليونان شريكين تجاريين؟ هنا توقف واسأل نفسك لماذا أصبحا شريكين تجاريين؟ ولماذا أصبح شعبهما من بناة السفن وتعلموا الإبحار في البحار؟ ليس شرطاً أن يكون سؤالك عن السبب دائماً، فيمكنك أن تسأل كيف أو ماذا.

عند طرح هذه الأسئلة فأنت تحاول أن تشرح، وعند القيام بالشرح فإنَّك تعزز فهماً أفضل؛ وهذا يؤدي إلى ذاكرة أقوى وتعلُّم أفضل؛ لذا بدلاً من مجرد القراءة والإعادة، توقف واسأل نفسك أشياء لتجعل فهمك وحفظك أكثر عمقاً.

شاهد: كيف تطور مقدرتك على التركيز أثناء الدراسة

 

مثال عملي يوضح أهمية ربط المعلومات الجديدة بشيء تعرفه:

استراتيجية أخرى يمكنك استخدامها خلال القراءة الثانية، وهي محاولة ربط المعلومات الموجودة في المادة بشيء آخر تعرفه من قبل؛ إذ يُعَدُّ ربط المعلومات الجديدة بالمعلومات القديمة والمثبتة مسبقاً من أفضل الطرائق التي تطور عملية التعلم.

على سبيل المثال، إذا كنت تدرس نصاً يتحدث عن كيفية نقل الخلايا العصبية للإشارات والسيالات، تقرأ معلومة تقول: في حال وجود غمد دهني يحيط بالخلايا العصبية – يسمى غمد الميالين – فإنَّه يساعد العصبون على نقل السيالة العصبية بسرعة أكبر.

يمكننا تشبيه هذه المعلومة بالمياه التي تمر عبر خرطوم؛ إذ يجري الماء بسرعة من خلاله، لكن إذا ثقبت الخرطوم فسوف يتسرب الماء ولن تحصل على التدفق نفسه، وهذا ما يحدث عندما نتقدم في العمر؛ تتخرب أغلفة الميالين ويصبح نقل السيالة أبطأ.

أعِد قراءة الأسئلة التي أجبتَ عنها إجابة صحيحة:

تُعَدُّ البطاقات التعليمية طريقة أخرى من طرائق التعلم الفعال، ومن مفاتيح استخدامها إعادة اختبار نفسك بالبطاقة التي أجبتَ عنها إجابة صحيحة؛ إذ يُعَدُّ الاحتفاظ بالبطاقة الصحيحة في المجموعة ومواجهتها مرة أخرى أكثر فائدة، وغالباً ما يجيب الكثير من الطلاب عن السؤال الموجود في بطاقة تعليمية، ومن ثم يخرجونه من المجموعة إذا فهموه فهماً صحيحاً، لكن اتضح أنَّ هذه الطريقة ليست صحيحة؛ وذلك لأنَّ تكرار عمليات استرجاع الذاكرة أمر هام حتى بالنسبة إلى المعلومات التي اعتقدنا أنَّنا حفظناها بشكل صحيح.

كما تُظهر الدراسات أنَّ الاحتفاظ بالبطاقة التي أجبنا عنها إجابة صحيحة أمامنا وإعادة الإجابة عنها مرة أخرى أمران في غاية الفائدة، فقد ترغب في إعادة التدريب على الأسئلة التي لم تجب عنها إجابة صحيحة، ولكنَّ تكرار الإجابة عن الأسئلة التي كانت إجاباتك عنها صحيحة أمر هام أيضاً، فالتكرار عموماً ليس سيئاً، ولكنَّ التكرار الطائش أمر سيئ في أغلب الحالات.

الحفظ في فترات قصيرة مفيد أم غير مفيد؟

يحشر الكثير من الطلاب أنفسهم في الزاوية وينتظرون حتى اللحظة الأخيرة ليدرسوا كل ما أخذوه من معلومات على مدار السنة، ثم في إحدى الأمسيات يكررون المعلومات مراراً وتكراراً، وتظهر الأبحاث أنَّ هذا الأسلوب غير مناسب للذاكرة طويلة الأمد على الرغم من أنَّه قد يسمح لك بتحصيل علامات لا بأس بها في  اختبار اليوم التالي، لكن بعد ذلك في الاختبارات النهائية، لن تحتفظ بهذه المعلومات التي درستها في عُجالة، ثم في العام التالي عندما تحتاج إلى المعلومات، لن تكون قادراً على استعادتها.

يجب على المدرسين المباعدة بين الدروس وخلطها أيضاً:

تقوم المعلمة في الصفوف التعليمية التقليدية بتغطية موضوع واحد في اليوم الأول، ثم في اليوم الثاني موضوع آخر، ثم في اليوم الثالث موضوع آخر دون العودة إلى المعلومات السابقة أو إعادة النظر في المادة، ولكنَّ النقطة الأساسية بالنسبة إلى المعلمين هي إعادة المواد أمام الطالب بعد أيام أو أسابيع، وتوجد طرائق عدَّة يمكنهم من خلالها القيام بذلك.

ما هي أنماط العقليات المتعلقة بعملية التعلم؟

يوجد بحث مثير للاهتمام قامت به “كارول دويك” من جامعة “ستانفورد”؛ إذ أظهرت فيه أنَّ الطلاب يميلون إلى امتلاك واحدة من عقليتين فيما يخص التعلم، واتضح أنَّ معرفة أي من العقليتين يمتلك الطالب تتيح لنا التنبؤ بمدى نجاحه في نهاية المطاف، فالنموذج الأول هو نموذج التعلم الثابت؛ إذ يقول صاحبه: “لدي قدر معين من المواهب في الكيمياء والفيزياء على سبيل المثال، وسأبلي بلاءً حسناً”، وبعد ذلك يصبح الأمر صعباً للغاية بالنسبة إليه، ولا يستطيع تحصيل درجات عالية في بقية المواد.

العقلية الأخرى هي عقلية النمو التي تقول إنَّ التعلم يتضمن استخدام استراتيجيات فعالة، وتخصيص وقت للقيام بالعمل والانخراط في عملية التعلم، وكل ذلك يساعدك على زيادة قدرتك تدريجياً على فهم واستيعاب وتعلم أي موضوع مهما بدا صعباً.

شاهد أيضاً: 9 طرق للحفاظ على التركيز أثناء الدراسة

 

هل يفيد شرح عقلية النمو للطلاب في تحسين عملية التعلم؟

بالنسبة إلى المعلمين، تبين أنَّ التحدث إلى الطلاب وشرح عقلية النمو بشكل مبسط وجذاب، يجعلهم أكثر انفتاحاً على تجربة استراتيجيات جديدة في التعلم والالتزام بالدورات التدريبية والعمل بطرائق من شأنها تعزيز قدراتهم على التعلم؛ إذ ترتبط القدرة على التعلم بكيفية التعامل معه؛ أي بما معناه العمل بشكل أكثر ذكاءً.

فقد يميل الطلاب الذين لديهم عقليات نمو إلى التمسك بها، وينتهجون مبدأ المثابرة في مواجهة الصعوبات، وينتهي بهم المطاف إلى النجاح في الفصول الدراسية الصعبة، بينما يميل الطلاب ذوو العقلية الثابتة إلى النقيض من ذلك تماماً؛ لذا تُعَدُّ سرعة التعلم عاملاً هاماً في بناء المعرفة الكافية ولكنَّها ليست العامل الهام الوحيد، فيجب أن تكون قادراً على تذكر المعلومات التي تتعلمها بدقة لتكون قادراً على استخدامها فيما بعد بالشكل الصحيح وتوظيفها بشكل فعال في مجموعة متنوعة من المواقف.

أيهما أفضل الكتابة الورقية أم الرقمية؟

إحدى النصائح المفيدة هي محاولة كتابة ملاحظاتك على الورق بدلاً من الكتابة على جهاز حاسوب محمول أو جهاز لوحي؛ إذ وجدت الأبحاث أنَّ الملاحظات الطويلة يمكن أن تساعد على ترسيخ المعلومات في الذاكرة بشكل أكثر فاعلية من تدوين الملاحظات بشكل رقمي.

القاعدة الذهبية للتعلم العميق: علِّم ما تتعلمه

لاحظ المعلمون منذ فترة طويلة أنَّ إحدى أفضل الطرائق لتعلم شيء ما هي تعليمه لشخص آخر، وأنا أتذكر بدقة عرضي التقديمي للصف السادس عن جغرافيا الوطن العربي من خلال التدريس لبقية الفصل، وكان معلمي يأمل أن أكسب الكثير من المهارات والمعارف بعد تكليفي بهذه المهمة.

يمكنك تطبيق المبدأ نفسه اليوم من خلال مشاركة مهاراتك ومعرفتك المكتسبة حديثاً مع الآخرين؛ لذا ابدأ بتحويل المعلومات إلى كلماتك الخاصة مع الحفاظ على المصطلحات العلمية، فهذه العملية وحدها تساعد على ترسيخ المعارف الجديدة في ذهنك، وبعد ذلك ابحث عن طريقة لمشاركة أو تعليم ما تعلمته؛ إذ تتضمن الأفكار والمعارف الجديدة كتابة منشور في مدونة أو إنشاء بودكاست أو المشاركة في مناقشة جماعية.

في الختام:

في نهاية هذا المقال تذكَّر جيداً أنَّ وصولك إلى مرحلة التعلم الفعال ليس بالأمر السهل وليس شيئاً يحدث بين ليلة وضحاها، لكنَّ تطبيق المهارات التي ذكرناها لك يساعدك على وضع بعض تقنيات التعلم هذه ضمن حيز الممارسة اليومية؛ وهذا يساهم في الاستفادة بشكل أكبر من وقت الدراسة.

المصادر: 1،2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى