التدريس والتعلم

استخدام استراتيجية (المتشابهات) في التدريس


الطفل مخلوق متفتح العقل ومستعد لاستكشاف أعمق أغوار العالم؛ إذ يملك القدرة الفريدة على استيعاب المعلومات والمفاهيم بسرعة وسهولة، ويتحول إلى إسفنجة علمية تتجاذب مع كل ما حوله بفضول لا ينضب؛ فإنَّها سنوات الطفولة المبكرة التي تُعَدُّ أهم فترة في حياة الإنسان لبناء معرفته، وهذا بالضبط ما ركزت علية استراتيجية المتشابهات في التدريس.

استراتيجية المتشابهات في التدريس إحدى أحدث الاستراتيجيات المستخدَمة في مدارس الوطن العربي، ومع حداثة الطريقة، إلا أنَّ وجودها قديم ويعود إلى المدرسة البنائية التي ترى أنَّ عملية التعلم هي عملية بناء وإعادة بناء للمعرفة بدلاً من مجرد نقل المعلومات إلى الطلاب.

استراتيجية المتشابهات من الأساليب الفعالة لاكتساب المعرفة وتعزيز التفكير النقدي لدى الطلاب في البيئة التعليمية؛ إذ تُعَدُّ هذه الاستراتيجية أداة قوية تساعد على تعزيز مستوى التفاعل والمشاركة في الفصل الدراسي وتحفيز الفهم العميق للمواد؛ لذا سيقدم لكم هذا المقال أهم المعلومات التي يحتاج كل معلم إلى معرفتها عن استراتيجية المتشابهات أو المتماثلات.

أولاً: ما هي استراتيجية المتشابهات؟

استراتيجية المتشابهات في التدريس هي إحدى الطرائق التعليمية التي تُستخدَم لتعزيز فهم الطلاب للمفاهيم والمواد التعليمية من خلال مقارنة ما يتعلمونه بأمثلة أو مفاهيم مشابهة، وتعتمد هذه الاستراتيجية على مبدأ أنَّه من الأسهل للطلاب فهم المواد الجديدة عندما يتم ربطها بمعرفتهم السابقة أو بمفاهيم يعرفونها بالفعل.

تُعرَّف استراتيجية المتشابهات بأنَّها أسلوب للتدريس يقوم على توضيح وشرح الظواهر بمقارنتها بظواهر ومفاهيم غير مألوفة، أو هي عملية ربط بين موضوعين متساويين في مستوى العمومية والصعوبة، وتجمع بينهما عناصر مشتركة بهدف جعل غير المألوف مألوفاً.

من خلال استخدام استراتيجية المتشابهات، يمكن للمعلمين إبراز العلاقات والتشابهات بين المواد المختلفة والمفاهيم، وهذا يساعد الطلاب على فهم الأمور بشكل أعمق وأشمل، وهذا يشمل مقارنة الأمثلة، أو مقارنة السياقات، أو مقارنة الأفكار الأساسية في موضوعين مختلفين.

من أجل ضمان نجاح هذه الاستراتيجية، يجب على المعلم ضمان استخدام التشبيه المناسب والصحيح بحيث يكون مألوفاً للطالب من حياته الواقعية أو مشابهاً في اللفظ أو في الهيكل.

ثانياً: مظاهر عملية التشبيه

  1. الشبه في المظهر الخارجي: مثل التشابه في الشكل والحجم واللون مثل: (وجهها مشرق كالشمس في الصباح) أو (عيناه تلمعان كالنجوم في السماء).
  2. الشبه في الوظيفة: أي في كيفية في العمل والأداء، مثل شيئين متشابهين في الوظيفة (المروحة والمكيف الهوائي)، فعند شرح كيفية عمل المروحة والمكيف الهوائي وكيف يمكن لكل منهما تبريد الهواء وتحسين راحة الناس في الأيام الحارة، يمكن للأطفال فهم الشبه والاختلاف بينهما وكيف يمكن استخدامهما لأغراض مشابهة.
  3. التشبيه في التركيب والبناء: مثال: (أكل الطفل الطعام)، (دخل الولد إلى البيت).
  4. التشبيه في إحدى الحواس: مثال: (صوته مزعج كالرعد).

ثالثاً: نموذج التدريس بالمتشابهات لـ “فريد جوردن”

يهدف هذا النموذج إلى حل المشكلات بشكل إبداعي باستخدام المتشابهات، ويتضمن أسلوبين؛ الأول جعل المألوف غريباً لإبداع أشياء جديدة، والثاني جعل الغريب مألوفاً وذا معنى، ويتم الأسلوب الثاني؛ أي (جعل الغريب مألوفاً) عبر 6 خطوات، وهي:

  1. تحديد الموضوع أو المفهوم المراد دراسته.
  2. تقديم متشابهة مباشرة للموضوع أو المفهوم المراد دراسته.
  3. طلب المعلم من التلاميذ أن يمثلوا دور المتشابهة المباشرة التي قدَّمها لهم في الخطوة السابقة.
  4. طلب المعلم من التلاميذ إيجاد أوجه الشبه بين المتشابهة التي يمثلونها وبين موضوع الدرس أو المفهوم المطروح للدراسة.
  5. طلب المعلم من التلاميذ إعادة فحص الموضوع بشكل جيد.
  6. طلب المعلم من التلاميذ استنباط متشابهة جديدة للموضوع من عندهم (إعطاء متشابهات جديدة).

رابعاً: مزايا التعليم باستخدام استراتيجية المتشابهات

  • مساعدة الطالب على فهم المفاهيم المجردة والصعبة من خلال ذكر أمثلة مشابهة لها من واقع الحياة المعاش.
  • تقديم إدراك بصري للمفاهيم المجردة.
  • زيادة دافعية التلاميذ نحو التعلم.
  • تجعل المتشابهات المفاهيم الصعبة أكثر جاذبية ومثيرة للاهتمام؛ وذلك بسبب ارتباطها بمفاهيم مألوفة للطلاب.
  • يمكن للاستراتيجية تشجيع الطلاب على التفكير النقدي حيال كيفية تطبيق المفاهيم والمتشابهات في مواقف مختلفة.
  • تساعد المتشابهات على تعزيز الذاكرة والاستفادة من الاستدعاء واسترجاع المعلومات.
  • يشعر الطلاب بالثقة عندما يتعرفون إلى العلاقة بين المفاهيم والمتشابهات، ويشعرون بأنَّهم قادرون على فهم الموضوع.
  • تشجع المتشابهات الطلاب على التفكير بشكل مستقل وبناء فهمهم الخاص للموضوع.
  • يمكن استخدام المتشابهات بوصفها أداة لتحفيز المناقشة والتفاعل بين الطلاب والمعلم، ومن ثمَّ زيادة التواصل.
  • يمكن لاستراتيجية المتشابهات توجيه الطلاب نحو الاستدلال الإيجابي حول الموضوعات التعليمية.
  • يمكن للطلاب استخدام المتشابهات لتطبيق المفاهيم والمعرفة في حياتهم اليومية والعملية.

شاهد بالفيديو: 8 طرق تساعد المعلم على أداء مهنته بنجاح

 

خامساً: محاذير استخدام المتشابهات في التدريس

على الرغم من أنَّ استراتيجية المتشابهات قد تكون فعالة في التدريس، إلا أنَّها قد تواجه بعض التحديات التي يجب مراعاتها في أثناء تنفيذها، وتوجد تحذيرات يجب الابتعاد عنها في أثناء التنفيذ، ومنها:

1. عدم انسجام المتشابهات مع واقع التلاميذ:

يجب الابتعاد عن طرح متشابهات تبتعد عن واقع التلاميذ المعاش أو تختلف مع خلفياتهم المعرفية.

2. عدم الاهتمام بالاختلافات:

قد يركز المعلم على المتشابهات، ومن ثمَّ يجعل الطلاب يتجاهلون الاختلافات الهامة بين المفاهيم المختلفة، فيجب على المعلم التأكد من أنَّ الطلاب يفهمون أيضاً الاختلافات بين المفاهيم.

3. الإفراط في التبسيط:

قد يؤدي التركيز على المتشابهات إلى تبسيط المفاهيم بشكل زائد، وهذا يقلل من دقتها ويقلل من تحدي الطلاب.

4. عدم توافق المتشابهات:

قد لا تكون جميع المفاهيم قادرة على تمثيلها بواسطة متشابهات مناسبة بنفس الدرجة من الفاعلية، فيجب على المعلم اختيار المتشابهات بعناية.

5. قدرة الطلاب المختلفة:

يجب مراعاة أنَّ مستوى الفهم والقدرة على التفكير لدى الطلاب يختلف من شخص لآخر، فقد تكون المتشابهات مألوفة لبعض الطلاب وغير مألوفة للآخرين.

6. اعتماد واحد فقط من الأساليب:

قد يكون الاعتماد الكبير على استراتيجية المتشابهات دون تنويع الأساليب التعليمية مملاً للطلاب مع مرور الوقت، فيجب دمجها بشكل فعال مع أساليب تدريس أخرى.

7. عدم ملاءمة الموضوعات:

قد لا تكون استراتيجية المتشابهات مناسبة لبعض الموضوعات التعليمية التي تتطلب تعليماً أكثر تفصيلاً وتعقيداً.

سادساً: استراتيجية المتشابهات في الدين الإسلامي

استخدام أسلوب المتشابهات في التدريس ليس بالأسلوب الحديث؛ بل استُخدِم منذ القديم في الدين الإسلامي، فقد ورد في القرآن الكريم كثيراً من الآيات التي تحتوي على المتشابهات لتوضيح المعنى والمقصود بشكل دقيق للغاية، مثل:

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، سورة البقرة – الآية 261.

قصد الله سبحانه وتعالى هنا أنَّ المؤمن الذي يقوم بحسنة يأخذ 700 حسنة مثل الرجل الذي يزرع حبة فتنتج 700 حبة.

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، سورة يونس – الآية 24.

في هذه الآية الكريمة شبه الله عز وجل الحياة الدنيا بالزرع الذي إذا نزل عليه المطر، أثمر، وإذا انقطع عنه المطر، جف الزرع ويبس، فالحياة الدنيا يوم نعيم ويوم سقيم.

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ}، سورة البقرة – الآية 17.

المثل المذكور في الآية هو مثل استدل به الله تعالى على الوضع الروحي لبعض الأشخاص الذين رفضوا الإيمان وجعلوا أنفسهم في ظلمة دينية وروحية واستبدلوا الهدى بالضلال، وشبَّه المشركين والكفار بمن استوقد ناراً، لكن لما أضاءت ما حولهم بالنار، أخذ الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يرون فيها.

في الختام:

استراتيجية المتشابهات هي أداة قوية ومميزة في مجال التعليم تساهم إسهاماً كبيراً في تحسين فهم الطلاب للمفاهيم المجردة والمواد التعليمية المختلفة، وبوصفها أسلوباً تعليمياً مبنياً على المقارنة والمثال، تتيح هذه الاستراتيجية فرصاً لتوضيح المفاهيم وجعلها أكثر وضوحاً وسهولة للفهم، وتجذب استراتيجية المتشابهات انتباه الطلاب، وتشجعهم على المشاركة في الدرس والمناقشة، لذلك هي من الوسائل المميزة التي يمكن للمعلم استخدامها في صفه الدراسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى