التفوق الدراسي

كيف ندرب أطفالنا على مواجهة الضغط النفسي من الامتحانات؟


منذ أن ابتكرَت الصين فكرة الامتحان الموحد لمجموعة من التلاميذ، بدأَت مسيرة الامتحانات بين الشرح والحفظ والفهم، وأصبح لزاماً على التلاميذ أن يتنافسوا من أجل أن يحصلوا على أعلى الدرجات.

من مخترع فكرة الامتحان؟

اختلفت المراجع التاريخية في الإفصاح عن هوية صاحب فكرة الاختبارات بصورتها الحالية؛ حيث إنَّ بعض المراجع تشير إلى أستاذٍ فخري كبير أمريكي مشهور يُدعى “هنري فيشيل” (Henry A. Fischel)، وفي مراجع أخرى يسمى “هنري ميشيل”.

ثم إنَّه وفقاً للمصادر، فإنَّ هذا الأستاذ الفخري كان يدرس في “جامعة إنديانا” في مطلع القرن العشرين.

أين طُبِّقَت فكرة الامتحان أول مرة؟

بينما يُرجع الناس فضل اختراع الامتحانات إلى الأستاذ الفخري “هنري فيشل”، فإنَّ الكثير من المصادر تتحدث عن أنَّ مصطلح الامتحانات قد ظهر أول مرة في الصين القديمة.

الصين هي أول من طبَّقت نظام الاختبارات:

كان يسمى الامتحان الموحد الذي يجرى في جميع أنحاء البلاد “الاختبار الإمبراطوري”؛ حيث ابتكرته “عائلة سوي” سنة 605 ميلادي، وكانت الفكرة منه انتقاء أفضل الموظفين الأكفَّاء للعمل في مؤسسات حكومية معيَّنة تابعة للدولة، ولكن تم إلغاء هذا الاختبار من قِبل “عائلة تشينغ” في سنة 1905.

من امتحان الطلاب إلى امتحان الموظفين:

انتشر نظام الاختبارات الصيني بشكل سريع في بلدان آسيا المجاورة، مثل فيتنام وكوريا واليابان، ثم انتشر إلى أوروبا بواسطة الدعوات التبشيرية والسياسية، ففي إنكلترا قامت مؤسسة الهند الشرقية الإنكليزية، وللمرة الأولى، باستعمال أسلوب الاختبارات الصيني لانتقاء موظفيها، وبعد نجاح المؤسسة قامت الحكومة البريطانية باستخدام نظام امتحانات لعاملي الخدمات المدنية في سنة 1855، في حين أنَّه قبل عشرات السنين، كان يحق للتلميذ أن يحصل على شهادته دون المرور على أيِّ امتحان.

مفهوم الامتحانات عند العرب:

لم يكن النظام التدريسي لدى العرب يتضمن أيَّ شيء حول الاختبارات؛ حيث كانت المؤسسات التعليمية لا تُلزم الطلاب بأداء اختبارات محددة، وكانت الشهادات تُعطى من المعلمين إلى التلاميذ المثابرين دون إجراء أيِّ اختبار، متضمنةً ما يبيِّن أنَّ الطالب قرأ الكتاب أو المنهاج الفلاني على يد المعلم فلان.

ومع ذلك، يقول “ابن أصيبعة” في كتابه “طبقات الأطباء” إنَّه قام بوضع اختبار لأطباء بغداد في زمن الخليفة المقتدر في أوائل القرن العاشر الميلادي، وكان الاختبار شفهياً.

ومن ثم أُنشِئ نظام الاختبارات، سواءً شفهياً أم كتابياً؛ حيث تم التحديث والتحويل إلى نظام تعليمي متطور، وأضحت طرائق وضع الاختبارات معروفة وواضحة وموحدة.

مفهوم فريد للامتحانات والنظام التعليمي في فنلندا:

قامت دولة فنلندا بإلغاء نظام الاختبارات، واعتمدت قانون الثقة المتبادلة بين الأستاذ والتلميذ؛ حيث قامت بحذف الوظائف المدرسية، وفرضت ألَّا يقوم التلميذ الفنلندي بتقديم الاختبار السنوي الموحَّد إلا مرة واحدة فقط، تكون في نهاية المرحلة الثانوية.

كما مُنِحَت الثقة التامة للمعلمين بإنشاء امتحانات عوضاً عن الاختبارات الموحدة، طبقاً لمنظورهم الخاص، ودون أن يكون هنالك تدخل من قِبل المؤسسات التعليمية، ثم إنَّه من النادر أن يحصل التلميذ على وظائف منزلية؛ لأنَّ المدرسة تقوم فعلاً بتقديم كل ما يحتاج إليه التلميذ من النواحي العلمية. أمَّا البيت، فهو مكان يتعلم فيه الأولاد مهارات في الحياة، وليس في المناهج الدراسية، طبقاً للمنظور الفنلندي للتربية والتعليم.

وعلاوة على ذلك، أبدت فنلندا اهتماماً كبيراً بأن يحظى الطالب على حصته من الراحة واللعب والترفيه؛ إذ يُجبِر الدستور المعلمين على إعطاء التلاميذ قسطاً من الراحة مدته خمس عشرة دقيقة لكل خمس وأربعين دقيقة من الشرح، استناداً إلى حقيقة أنَّه من الضروري والهام جداً بالنسبة إلى الطفل أن يستمتع بمرحلة طفولته أطول مدة متاحة.

وكذلك، فإنَّ التعليم الجامعي مجاني في فنلندا، وهو الشيء الذي يريح تلميذ المرحلة الثانوية من عناء التفكير في مستقبله بعد إنهائه مرحلة المدرسة؛ حيث إنَّ الأمور المادية لا تشكل حاجزاً أبداً في وجه انضمامه إلى الجامعة التي يرغب فيها.

الامتحان والضغط النفسي:

تحصيل أعلى الدرجات العلمية أمل العائلة كلها وليس الأولاد فحسب؛ وهو ما يعني زيادة في التوتر والضغط على التلميذ للدراسة أكثر، خاصةً قبل أسابيع عدة من التقدم إلى الاختبارات أو خلالها.

ومع تراكم الضغط العائلي والاجتماعي، تتشكل لدى الطفل مشاعر سلبية تحرض لديه حالة من التوتر والقلق، وفي حالات كثيرة تسبب له أمراضاً مختلفة، وربما سمعنا عن تلاميذ لم يفلحوا في تحصيل درجات دراسية عالية، على الرغم من تميُّزهم الواضح خلال مسيرتهم على مدار السنة الدراسية.

كيف تعرف أنَّ طفلك في حالة من التوتر والقلق؟

يمكنك أن تلاحظ بعض الأعراض التي تدل على أنَّ طفلك لديه حالة من التوتر أو القلق، مثل شذوذات النوم، وتغيرات المزاج، والإحباط، وسرعة الغضب والبكاء، ونقص الثقة بالذات، وضعف إيمانه بمقدرته على اجتياز الاختبار.

ومن علامات القلق كذلك، معاناة الطفل من أوجاع في المعدة بسبب عدم قدرته على هضم الأطعمة، ناهيك عن ألم الرأس المستمر، وفي بعض الأحيان، ظهور آفات جلدية مثل الأكزيما، بالإضافة إلى نقص الشهية للأكل، أو تناول الطعام بإفراط وكميات أكثر من العادة (الشره)، فضلاً عن عدم الشعور بالمتعة في ممارسة النشاطات التي كان يستمتع بها في الماضي، كما تتشكل لديه نظرة سلبية حزينة حيال ما هو قادم.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

 

كيف يستطيع الأهل مساعدة طفلهم؟

يحتاج التلاميذ دوماً إلى مصدر للتشجيع، ويتطلب هذا التحفيز الدائم من الأبوين؛ لذا، ما الذي يجب على الأهل فعله من أجل جعل وقت الاختبار خالياً من القلق وأكثر تشجيعاً للطفل؟

إليكم أهم النصائح لدعم نفسية أطفالكم في فترة الامتحانات:

  1. تجنبوا ملء وقتكم مع طفلكم بأحاديث عن الامتحانات والاختبارات، حتى لو كانت نصائح ضرورية له، أو كانت تحفيزاً وتشجيعاً وتعبيراً عن الثقة الكبيرة بقدراته وإمكاناته؛ لأنَّ ذلك وبكل تأكيد سيؤدي إلى زيادة توتره وقلقه.
  2. حافظوا على روتين البيت المُعتاد من أجل الابتعاد عن أيِّ جهد إضافي، فإن كنتم تتيحون لطفلكم السهر حتى العاشرة، فلا تُجبروه في اليوم السابق للامتحان أن ينام في الثامنة.
  3. شجعوه على ممارسة التمرينات الرياضية الخفيفة، مثل المشي أو قيادة الدراجة الهوائية أو السباحة أو كرة القدم؛ ذلك لأنَّ النشاطات الرياضية تساهم في رفع منسوب الطاقة لديه، وتصفِّي ذهنه وتخفف قلقه.
  4. شجِّعوا طفلكم على أخذ استراحات منتظمة، فقد تزيد أوقات التحضير خلال الاختبارات وقد تصل إلى سبع ساعات؛ وهو ما يعني المزيد من الضغط على الدماغ؛ لذا حفِّزوا ابنكم على أخذ أوقات استراحة بشكل منتظم، ومشاهدة التلفاز أو الإصغاء إلى بعض الموسيقى.
  5. اهتموا بتشجيع ولدكم على الاسترخاء في الليل، والنوم فترةً تمتد من ثماني إلى تسع ساعات؛ حيث يعتقد بعض التلاميذ أنَّ دراستهم طوال الليل تسهم في زيادة تحصيلهم، لكن على العكس، إن لم يحصلوا على قدر كافٍ من النوم، فمن المحتمل أن يسوء تخزين المعلومات في الذاكرة فيتم نسيانها، ومن ثمَّ يكون أداؤهم مرتبكاً.
  6. ابتعدوا عن مقارنة طفلكم بغيره من أطفال الناس، ولا تكلِّموه على مدى تميُّزهم أو عدد الساعات الكثيرة التي يذاكرون فيها.
  7. تأكدوا من توفير مكان هادئ ليدرس فيه طفلكم، واسألوه عن أنسب مكان في البيت يريد قراءة دروسه فيه.
  8. علِّموا طفلكم أنَّ شعورنا بالتوتر والقلق هو شيء اعتيادي، وهو شعور جميع الطلاب قبل الاختبارات، وهو شيء ضروري ومفيد؛ حيث يمكننا توظيفه لزيادة إنتاجيتنا في الدراسة.
  9. امنحوا ولدكم بعض المكافآت من أجل تحسين أداء المراجعة واجتياز كل اختبار، فليس من الضروري أن تكون الهدايا كبيرة أو مرتفعة الثمن؛ إذ يمكن أن تتضمن أموراً خفيفة مثل تحضير الوجبة المفضلة أو مشاهدة التلفاز.
  10. مارسوا دور الشخص الهادئ المُطمئن والإيجابي قبل التوجه إلى مكان تقديم الامتحان، لتوصلوا إلى طفلكم رسالة مفادها أنَّ الفشل ليس نهاية الحياة؛ بل هو جزء منها، فإذا لم تسِر الأمور كما نريد ونتمنى، فهو بكل تأكيد قادر على تجاوز الامتحان في المرة القادمة.
  11. حفزوا طفلكم بعد كل اختبار على التكلم معكم حول الجوانب التي سارت بشكل جيد، عوضاً عن التركيز على الجوانب الصعبة التي كانت في الاختبار، ثم علِّموه أن ينقل تركيزه إلى الامتحان التالي، عوضاً عن التفكير في الأخطاء التي وقع بها في الاختبار السابق، والتي لا يمكن تصحيحها بكل تأكيد.
  12. ضعوا توقعات منطقية، ولا تجعلوا حصول طفلكم على أعلى علامة هو كل ما تتمنوه بالنسبة إليه؛ بل شجعوا طفلكم أن يكتشف شغفه، ثم دعوه يسير نحو حلمه باقتدار.
  13. استشيروا الطبيب النفسي المختص في حال استمرت حالة القلق بعد انتهاء الاختبار.

كلمة أخيرة:

في النهاية، يبقى الامتحان كائناً من كان مخترعه كتلةً من الضغط النفسي، وليس هذا الأمر بسلبي؛ بل يمكن استخلاص الفوائد من هذه التجربة، وعدُّها تدريباً عملياً للتغلب على التوتر والضغط النفسي، فالامتحان صورة مصغرة عن الحياة، التي لا يمكن أن تخلو من محطات التوتر والقلق.

المصادر: 1، 2، 3، 4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى