التدريس والتعلم

التدريس المصغَّر


أسلوب التدريس المصغَّر هو أسلوب تربوي تعليمي يسعى إلى صقل ورفع الكفاءات التدريسية والمهارات العملية لدى المعلمين وإكسابهم مهارات تدريسية جديدة أيضاً، فهو أسلوب متطور في تدريب المعلمين على مهارات التدريس وعلى نحو تدريجي؛ إذ يتناول المهارات الجزئية كل واحدة على حدة بحيث يتقنها وتشكل في مجموعها مهارة معينة، ويأتي هذا الاهتمام بِعَدِّ المعلم أهم عناصر منظومة التعليم وله دور جوهري وأساسي في تكوين الأفراد الذين يتوقف عليهم بناء المجتمع وتحقيق نهضته.

استراتيجية التدريس المصغَّر:

إنَّ عملية التدريس عملية معقدة في أساسها والتدريب عليها بالنسبة إلى المعلم يُعَدُّ أمراً مخيفاً لدى الأغلبية لا سيما في فصل دراسي مزدحم بالمتعلمين، ونظراً لأنَّ برامج تدريب المعلمين التقليدية التي تقوم في الغالب على الدراسة النظرية والتربية العملية لم تعد تكفي أو حتى تفي بأهداف المجتمع وأغراضه والتطور الحادث به؛ لذا كان الحل الأمثل في استخدام استراتيجية التدريس المصغَّر.

تعتمد استراتيجية التدريس المصغَّر على تجزئة الدرس إلى مجموعة من المواقف التعليمية والمترابطة فيما بينها؛ إذ يكون لكل موقف منها مهارات تدريس محددة وخاصة بكل موقف تعليمي وتمثل في مجموعها مهارات تدريس يكون المعلم قد اكتسبها.

لقد سميت هذه الاستراتيجية بهذا الاسم؛ أي “التدريس المصغَّر”؛ وذلك لأنَّ الموقف التعليمي الذي يتم من خلاله تدريس إحدى المهارات يكون قصيراً من حيث الوقت وأيضاً يحتوي على عدد قليل من الدارسين وكذلك العمل المطلوب التدرب عليه؛ إذ يكون تعليم فنيات التدريس عبر مراحل متدرجة ومقسمة ومتتالية، ومن المفترض أن يتقن المعلم المهارات المطلوبة نهاية البرنامج التعليمي.

التدريس المصغَّر عبارة عن موقف تعليمي مدته بين 10 و15 دقيقة فقط، ويشترك فيه من 10 إلى 15 متدرباً ويكون مسجلاً بالصوت والصورة من أجل أن يتم تقييمه وتسجيل الملاحظات وإعطاء الإرشادات اللازمة لتفادي الأخطاء في المستقبل، إضافة إلى إتاحة الفرصة للمتدرب نفسه بمشاهدة أدائه وتقييمه والتصحيح لنفسه.

في إطار توضيح مفهوم التدريس المصغَّر نستعرض أهم ما جاء في الأدبيات التربوية من وجهات نظر عنه:

  1. (S): التدريس المصغَّر هو إحدى تقنيات تدريب المعلمين التي تساعد المتدرب على إتقان مهارات التدريس في غضون فترة زمنية قصيرة، وتأهيله للقيام بالمهام في المواقف التعليمية والخروج بالعديد من المهارات الهامة للتدريس ومساعدته على اكتساب الثقة ورفع كفاءته وإجراء التعديلات على سلوكه التعليمي.
  2. محمد رضى البغدادي: قال في كتابه (التدريس المصغَّر في ميدان التربية العملية) إنَّ التدريس المصغَّر هو أسلوب يعمل على إكساب وتنمية مهارات تدريس جديدة وصقل المهارات الأخرى؛ إذ يسجل فيه الطالب درسه مع الفيديو ثم يشاهده بنفسه ويحلل ما جاء فيه.
  3. (R.Cavin): التدريس المصغَّر وسيلة إجرائية لإعداد الطالب المعلم في مرحلة ما قبل بدء الخدمة، ويتم من خلاله تدريب مجموعة صغيرة من الطلاب لتطوير أدائهم في التدريس وتحقيق أهداف محددة.
  4. ديمتري: التدريس المصغَّر موقف تدريسي يتيح للطالب المعلم أن يتدرب على مهارات تدريسية معينة في فترة زمنية محددة أمام زملائه من الطلاب المعلمين والمشرف قبل أن يخوض تجربة التدريس الفعلي.

التدريس المصغَّر هو موقف تعليمي حقيقي وصورة مصغرة لغرفة الفصل العادي يتم إنجازه في وقت قصير نسبياً، ويتدرب المعلم من خلاله على مهارة واحدة فقط بقصد إتقانها بشكل جيد قبل الانتقال إلى مهارة جديدة، ويحتوي موقف التدريس المصغَّر على ما يأتي:

  • مهارة واحدة محددة يُراد تعلمها.
  • معلم طالب تحت التمرين.
  • عدد قليل من الطلاب يتراوح عددهم بين 10 و15 طالباً فقط.
  • مدة زمنية قصيرة لا تزيد عن 15 دقيقة.
  • مصادر متنوعة تتيح الحصول على التغذية الراجعة مثل الفيديو أو التسجيلات الصوتية.

شاهد بالفيديو: 8 صفات يتميّز بها المُعلم الناجح

 

الأفكار الرئيسة التي تنطلق منها استراتيجية التدريس المصغَّر:

  1. عملية التدريس هي عبارة عن سلوك يمكن أن يُجزَّأ ويحلل إلى مهارات محددة؛ أي تفكيك العملية التعليمية وتحليلها.
  2. تصغير الموقف التعليمي.
  3. يمكن للمعلم الحصول على جميع المهارات المتعلقة بعملية التدريس وبمستوى جيد من الكفاءة.
  4. ينبغي تغيير الأنماط السلوكية التي يمارسها المعلمون في حياتهم الوظيفية ولا تتوافق مع أهداف العملية التعليمية.
  5. مساعدة المعلمين على التخلص من جو التوتر الذي يمكن أن يجدوه في الفصل الدراسي عند ممارستهم لوظيفتهم التعليمية.
  6. إكساب المعلم مهارة النقد الذاتي لسلوكه المهني وضبطه والتحكم به قدر الإمكان.
  7. الحصول على التغذية الراجعة.

مزايا استراتيجية التدريس المصغَّر:

  1. أسلوب تعليمي يمكن تطبيقه في مختلف المراحل الخاصة ببرامج المعلمين المهنية سواء برامج ما قبل الخدمة أم في أثنائها.
  2. تدريب المعلم على مفهوم واحد باستخدام مهارة محددة تدفع به للوصول نحو الكفاءة وبعيداً عن التعقيدات أو تراكيب المحتوى، ومن ثمَّ هو أسلوب يراعي الفروق الفردية بين المعلمين.
  3. إتاحة الفرصة للمعلم لممارسة التدريس بالشكل القابل للتعرف والقياس والضبط والتحكم به.
  4. أسلوب تدريسي يحاكي عملية التدريس في الواقع لكن ضمن ظروف مصغرة، ويكون مخططاً له بعناية.
  5. يتيح التدريس المصغَّر إمكانية التدرج من خلال تكبير الدرس أو زيادة مدته أو عدد المهارات المطلوب تعلمها.
  6. يتيح التدريس المصغَّر فرصة بيئة أفضل للمعلمين المتدربين للتدريب العملي قبل المباشرة في العمل الفعلي في ميدان التعليم.
  7. التدريس المصغَّر طريقة فعالة لإصلاح أوجه القصور في الأداء وتعزيز الجوانب الإيجابية وتشجيعها.
  8. يتيح التدريس المصغَّر فرصة لتعلم الدمج بين طرائق التدريس المختلفة والمستحدثات التكنولوجية.
  9. يتيح التدريس المصغَّر الحصول على التغذية الراجعة الفورية، ومن ثمَّ يحقق الاستفادة المباشرة للمتدربين المعلمين ويدرك بنفسه جوانب القصور.
  10. يعالج الأخطاء الشائعة في الأداء ويقارنها بالأداء النموذجي المعتمد في الأنظمة التعليمية.
  11. يتم التدريب على المهارة في صورتها النموذجية؛ إذ يتم البدء أولاً بالتعريف بها بشكل نظري ومن ثم التخطيط للتدرب على المهارة بشكل عملي والانتقال إلى ممارسة المهارة من خلال التدريس المصغَّر.
  12. خفض التعقيدات التي يمكن أن تواجه المعلم المتدرب من خلال الوقت القصير وعدد الطلاب القليل أيضاً.
  13. إتاحة الفرصة لعدد كبير من المعلمين المتدربين للتدرب؛ وذلك بسبب الوقت القصير لهذا الأسلوب.
  14. تدريب المعلمين على إعداد المواد التعليمية وتنظيمها بأنفسهم.
  15. إتاحة الفرصة لتبادل الأدوار بين المعلمين.
  16. يمكن تطبيق أيَّة نظرية تعليمية أو فرضية عملياً من خلال اتباع أسلوب التدريس المصغَّر.
  17. التدريس المصغَّر أسلوب تدريسي يتيح السيطرة على التحديات المختلفة التي يمكن أن يصادفها المعلم وتساعده على مواجهة المشكلات التي يمكن أن تتخلل عمله.

طريقة التدريس المصغَّر ومراحله:

التدريس المصغَّر موقف تدريسي حقيقي لا يختلف عن التدريس الكامل؛ إذ يحتوي على جميع عناصر المنظومة التعليمية الخاصة بعملية التدريس من معلم وطالب والوسائل والتقنيات التعليمية والتعزيز والتقويم وغيرها من العناصر الأساسية، وتشمل خطوات هذه العملية ما يأتي:

  1. الخطوة الأولى: يحدد المعلم المشرف المهارة المراد تعلمها بالاتفاق مع المعلمين المتدربين؛ إذ يبدأ هنا المشرف بإعطاء التعليمات والإرشادات العامة لجميع المتدربين بشكل شفهي أو كتابي.
  2. الخطوة الثانية: يقوم المعلم المتدرب بإعداد خطته الخاصة بتقديم الدرس المصغَّر؛ إذ يركز على المهارة المطلوبة ويراعي جميع عمليات التدريس ويعرضها على المشرف وزملائه.
  3. الخطوة الثالثة: يقوم المعلم المتدرب بتدريس الجزء الذي تم تكليفه به لمجموعة صغيرة من زملائه يتراوح عددهم بين 10 و15 معلماً متدرباً ضمن الزمن المحدد، ويقوم أحد الزملاء أو متخصص فني بتصوير الجلسة مع التأكد من رصد جميع الاستجابات والانفعالات والأدوات المختلفة، وذلك باستخدام كاميرا فيديو.
  4. الخطوة الرابعة: مشاهدة الفيديو الذي تم تسجيله أكثر من مرة.
  5. الخطوة الخامسة: يقوم كل من المشرف والزملاء المعلمين بتحليل ما قام به المعلم المتدرب ونقده والوقوف على جوانب القوة والضعف به، ويمكن أن يتم ذلك بشكل شفهي أو من خلال تسجيل الملاحظات عبر استمارة معدة لتقييم الدرس بشكل مسبق.
  6. الخطوة السادسة: بعد تحليل الدرس ومعرفة المعلم المتدرب للأخطاء التي قام بها وتصويبها، يقوم بإعادة نفس الدرس أو نفس المهارة مرة أخرى للتأكد من استفادته من التغذية الراجعة التي حصل عليها من خلال المرة الأولى.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح للمعلمين لاستقبال العام الدراسي الجديد

 

في الختام:

إنَّ نجاح عملية التعليم وتحقيقها للأهداف الموضوعة يقف على العديد من العوامل أهمها وجود معلم كفء يمتلك مهارات تعليمية يستطيع من خلالها إكساب تلاميذه الخبرات والمفاهيم المتنوعة وتحفيز عقولهم على التفكير وتوسيع مداركهم وتحسين قدراتهم العقلية، فالتدريس المصغَّر هو أسلوب من أساليب تدريب المعلمين ويمثل صورة مصغرة عن حصة درسية أو عن تعلم مهارة معينة أو جزء محدد من أجزاء الدرس ضمن ظروف معدة مسبقاً ومجهزة ومضبوطة بشكل جيد بهدف تحقيق أكبر فائدة منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى