الدراما التعليمية وطرق استخدامها في التعليم
الدراما التعليمية، رحلة مثيرة تصبح معها العملية التعليمة أكثر من مجرد معلومات، فهي تحولها إلى عمل جماعي، يشترك فيها الطلاب بشكل نشط وتمنحهم الفرصة لاكتشاف قدراتهم بأسلوب ملهم، وتشد انتباههم بشكل أكبر، فما هي الدراما التعليمية بالضبط وكيف يمكن تطبيقها في الصفوف الدراسية، وما هي الفوائد التي يحققها الطلاب من خلالها؟ تابعونا قراءة هذا المقال لاكتشاف إجابات هذه الأسئلة والكثير من المعلومات المثيرة عن الدراما التعليمية.
المسرح والتعليم: الدراما التعليمية
بلا شك، الدراما التعليمية هي إحدى أكثر الأساليب التعليمية تأثيراً وإثارة في عالم التعليم، فهي تتجاوز الحدود العادية للصفوف الدراسية وتحول العملية التعليمية إلى تجربة ملهمة وتفاعلية، ويكمن تعريف الدراما التعليمية في الجمع بين الأداء الفني والمفاهيم التعليمية، ليصبح الفصل الدراسي مسرحاً تعليمياً يمكن للطلاب أن يؤدوا فيه أدواراً نشطة في تفاعل حي مع المحتوى الدراسي، عموماً لقد أعطى معظم الباحثين التربويين تعريفاً للدراما التعليمية نذكر منهم:
1. نورمان NORMAN:
عملية تعلُّم نشطة وتعاونية تتضمن القدرة الفريدة على التخيل والتعاطف والتصور، في محاولة لفهم العالم الذي نعيش فيه، والنواحي المتميزة لهذه العملية هي إحداث حالة (افترض أنَّ) وأخذ الأدوار والطاقة المحفزة، والشعور بالاندماج.
2. صلاح الدين عرفة محمود:
في كتاب (آفاق التعليم الجيد في مجتمع المعرفة: رؤية لتنمية المجتمع العربي) عرَّف الدراما التعليمية بأنَّها: طريقة لتنظيم المحتوى العلمي للمادة الدراسية وأساليب تدريسها بحيث يتضمن إعادة تنظيم الخبرة التعليمية وتشكيلها في قالب مسرحي في صورة مواقف تمثيلية، يتم فيها تجسيد المواقف والصور والأحداث بصورة درامية مع التركيز على الأهداف والعناصر والأفكار الملهمة المراد تعليمها للتلاميذ، ويؤدي المعلم فيها دور المعد والمخرج ويقوم التلاميذ بدور الممثلين والجمهور.
الدراما التعليمية مقابل المسرح التعليمي: اختلافات وتشابهات
كثيرا ما يتم الخلط بين المسرح التعليمي والدراما التعليمية، فعلى الرغم أنَّهما يشتركان في استخدام الدراما في سياق التعليم، لكن لكل منهما سماته وأهدافه واستخداماته الخاصة، إليك بعض الاختلافات والتشابهات:
1. التعريف:
يشير المسرح التعليمي إلى أداء مسرحي تعليمي يتمثل في عروض مسرحية أو مسرحيات تؤدى أمام جمهور عادة، ويشمل المسرح التعليمي عروضاً تستند إلى أعمال أدبية أو تاريخية أو محاكاة لأحداث تعليمية، بينما تستخدم العناصر الدرامية والمسرحية في سياق التعليم والتعلم، فالدراما التعليمية أكثر تنوعاً وتشمل مجموعة عديدة من النشاطات، ومن ذلك الألعاب التمثيلية والأداء المسرحي والمناقشات المدارة بشكل درامي.
2. الهدف:
يركز المسرح التعليمي تركيزاً أساسياً على تقديم أداء مسرحي للجمهور، فيكون الهدف الأساسي هو التسلية وإثارة المشاعر والتفاعل مع الجمهور، بينما الدراما التعليمية، يكون الهدف الأساسي منها هو تعزيز التعلم وفهم المفاهيم التعليمية، فتُستخدَم الدراما بوصفها أداة تعليمية لتحقيق أهداف تعليمية معينة، مثل توصيل معلومات أو تطوير مهارات أو تعزيز التفكير النقدي.
3. التطبيق:
يندرج المسرح التعليمي ضمن مجال فنون المسرح الاستعراضي ويتميز بالأداء أمام جمهور على خشبة المسرح، بينما الدراما التعليمية، يمكن تطبيقها في مجموعة متنوعة من السياقات التعليمية، ومن ذلك الفصول الدراسية، وورش العمل التعليمية، والبرامج التعليمية العملية.
4. التركيز على التعليم والتعلم:
سواء كان المسرح المدرسي أم الدراما التعليمية، فإنَّ كلاهما يتم تصميمه لنقل معرفة أو مفهوم معين إلى الجمهور الهدف أو الطلاب بطريقة ملهمة وتفاعلية.
5. تعزيز المهارات الشخصية:
يشجع كلا النهجين على تطوير مهارات شخصية هامة مثل مهارات التواصل، والثقة بالنفس، والتعبير عن الأفكار والمشاعر.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه
فوائد الدراما التعليمية: من الأدوار إلى الإلهاء
تعد الدراما التعليمية إحدى أدوات التعليم القوية والمؤثرة التي تساهم في تحفيز وتعزيز عمليات التعلم وفهم المفاهيم بشكل أعمق وأكثر تفصيل إلى جانب المتعة التي تحققها، وفيما يأتي أهم فوائد استخدام الدراما التعليمية في التعليم:
- إعادة تشكيل الخبرة وتنظيمها في قوالب مسرحية.
- تدفع التلميذ لمزيد من الفهم والاستيعاب وتثير حماسة كل من المعلم والمتعلم.
- التركيز على العناصر الهامة في المادة التعليمية وحذف غير الضروري الذي يسبب تشتت انتباه الطالب.
- تتم الدراما التعليمية ضمن الصف أو الفصل الدراسي، فيقوم تلاميذ الصف بتنفيذها، وتكرر أكثر من مرة مع تلاميذ مختلفين، وهذا يضمن المشاركة الجماعية.
- تحويل المنهاج الدراسي إلى مواد تنبض بالحياة والتخلص من جمود الكلمات.
- تمنح التلاميذ الفرصة لعيش المشاعر والعواطف والأحاسيس الشخصية التي يؤدونها.
- تساعد على تحقيق الأهداف التعليمية بفاعلية.
- يمكن استخدام الدراما لتوجيه التعلم نحو أهداف تعليمية محددة، مثل تصميم مشهد يعبر عن مفهوم درس معين في المنهج.
- يشجع الاستعداد وتحليل السياقات الدرامية على التفكير النقدي واستنتاج الأفكار والمعاني، مثل تفسير دور شخصية معينة في قصة أدبية.
- زيادة الثقة بالنفس، فيزيد الأداء واستلام التعليقات الإيجابية من الثقة بالنفس لدى التلاميذ ويساعدهم على التحدث أمام الجمهور بثقة.
- يمكن للدراما تعزيز التفاعل الاجتماعي بين الطلاب وتطوير مهارات التعاون وفهم الآخرين، مثل تقديم مشهد يعبر عن قيم التعاون والتضامن.
- يعزز الأداء والحوار في الدراما مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي، مثل تحسين مهارات التعبير والاستماع.
- تتيح للتلاميذ مشاهدة وقائع المشهد، وهذا يساعدهم على تذكرها أكثر من قراءتها من الكتاب.
- يكتسب التلميذ خبرات تعليمية تتسم بالإيجابية من خلال تجسيد المعلومات والمفاهيم والحقائق الهامة أمام باقي التلاميذ.
- يخلِّص التمثيلُ التلميذَ من الانفعالات الضارة، ويسهم في حل كثير من المشكلات النفسية مثل الخجل والانطواء والعزلة وعيوب النطق.
- تثري الدراما التعليمية قدرة التلميذ على التعبير عن نفسه وتزداد قدرته على التأثير بالآخرين.
خطوات تطبيق الدراما التعليمية في الفصل الدراسي:
1. التخطيط:
يبدأ التدريس بالتخطيط الدقيق للنشاط أو الدرس الذي يشمل الدراما التعليمية، ويجب على المعلم تحديد الأهداف التعليمية والمفاهيم التي يريد أن يعلمها للطلاب من خلال النشاط.
2. اختيار الموضوع:
يجب على المعلم اختيار موضوع مناسب للدراما التعليمية، يجب أن يكون الموضوع جذاباً بما يكفي لشد انتباه الطلاب وإثارة فضولهم إضافة لتشجيعهم على التفكير النقدي والمناقشة، ويفضل دائماً اختيار الموضوعات بحيث ترتبط بواقع التلاميذ المعاش، بحيث يتم ربط المفاهيم التعليمية بتجاربهم الشخصية والمحيط الاجتماعي.
3. تحضير السيناريو:
يجب إعداد سيناريو أو نص درامي يحتوي على الحوارات والأدوار التي سيقوم بها الطلاب، ويمكن تصميم السيناريو ليتناسب مع الهدف التعليمي المحدد، فيجب على المعلم أولاً تحديد الأهداف التعليمية التي يرغب في تحقيقها من خلال الدراما التعليمية، مثلاً، هل الهدف هو تعليم مفهوم معين، تعزيز مهارات التواصل، تطوير التفكير النقدي، أو ربط المعرفة بالواقع؟ وبناءً على ذلك، يصمم المعلم الحوارات والأدوار التي سيقوم بها الطلاب في السيناريو وفق تسلسل زمني منطقي، ويمكن أيضاً جعل السيناريو أكثر جاذبية عبر استخدام الموسيقى أو الإضاءة أو ارتداء بعض الأزياء.
4. توزيع الأدوار:
يتعين على المعلم توزيع الأدوار بين الطلاب، ويشمل ذلك تحديد من سيؤدي دور الشخصيات المختلفة في السيناريو، ويساهم توزيع الأدوار في تنظيم التعلم التعاوني في الصف، من خلال تخصيص أدوار مختلفة للطلاب، يصبح لديهم دور محدد ومشاركة مشتركة في تحقيق هدف معين.
5. التدريب والاستعداد:
يجب على المعلم توجيه الطلاب في تحضير أدوارهم وتمكينهم من فهم السياق والحوارات التي سيقومون بها.
6. الأداء:
يتم أداء السيناريو في الفصل الدراسي أو الجمهور المستهدف، يشمل ذلك استخدام الديكور والملابس والإضاءة لزيادة واقعية الأداء.
7. المناقشة والتقييم:
بعد الأداء، تتم مناقشة السيناريو والتركيز على المفاهيم التعليمية التي تم تناولها، ويمكن أيضاً تقديم تقييم لأداء الطلاب وتقدمهم في تحقيق الأهداف التعليمية.
8. تقويم النتائج:
يجب على المعلم تقويم النتائج التعليمية لضمان تحقيق الأهداف وتحسين عملية التدريس في المستقبل، بمجرد الانتهاء من الدراما التعليمية، يجب على المعلم تقييم النجاح والأداء العام للنشاط، ويجب أن يتضمن التقييم، تقييم كيف تم تحقيق الأهداف التعليمية وما إذا كان الطلاب استفادوا من النشاط.
يمكن للمعلم جمع ملاحظات من الطلاب عن تجربتهم في الدراما التعليمية، فتتضمن هذه الملاحظات ما أعجبهم بها، وما كان يحتاج إلى تحسين، وأفكارهم لتحسين النشاط في المستقبل، ويشمل التقييم مراجعة السيناريو نفسه، فهل كان السيناريو مناسباً للأهداف التعليمية؟ هل توجد أي تعديلات تجعله أكثر فاعلية في المرة القادمة؟
9. التعلم من الخبرة:
يساعد التعلم من الخبرة المعلم على تحسين مهاراته، والارتقاء بجودة الدراما التعليمية في المستقبل، وتفادي الأخطاء في وضع السيناريو، واختيار المفاهيم التي سوف تتم مناقشتها في الدراما بعناية.
في الختام:
يُظهِر استخدام الدراما التعليمية في التعليم أهمية كبيرة في تعزيز تفاعل الطلاب مع المحتوى التعليمي وتحقيق الأهداف التعليمية بطرائق مبتكرة وجذابة، فمن خلال الدراما التعليمية، يمكن للمعلمين أن يشجعوا الطلاب على التعبير عن أنفسهم بحرية وتطوير مهاراتهم في التواصل والتفاوض، إنَّها طريقة رائعة لتحقيق التعلم النشط وإشراك الطلاب بشكل أعمق في عمليات التفكير والتعلم، فالدراما التعليمية طريقة تجمع العلم والمتعة، وتساعد على تعزيز تجربة التعلم وتحقيق نجاح أفضل في المجال التعليمي.