Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التدريس والتعلم

أجمل أشعار الزير سالم عدي بن ربيعة


أما لقب “الزير” فقد أُطلق عليه من قِبَل أخيه “كليب”؛ وذلك بسبب كثرة مجالسته للنساء؛ إذ كان يُعرف بـ “زير النساء”، وقد شكَّل مقتل أخيه “كليب” نقطة تحول في حياته؛ إذ انتقل من حياة الصيد وشرب الكحول ومطاردة النساء إلى حياة يسودها فكر الانتقام لأخيه، وبسبب هذا الفكر، ارتبط اسمه بأشهر الحروب عند العرب “حرب البسوس” التي دامت سنوات طويلة بين طرفيها الأساسيين قبيلتي “تغلب” و”بكر”، وشاركت فيها أغلبية القبائل العربية.

على الرغم من شهرة “الزير سالم” ببسالته وشجاعته، إلا أنَّ نهايته كانت مأساوية؛ إذ قُتل على يد عبدين كانا مكلَّفين بحمايته، ومع مرور الزمن، ما تزال قصته تُروى وتُحفظ في ذاكرة العرب، كما تظل شخصيته مثار دراسة وجدل بين كثير من الباحثين.

شعر الزير سالم في الحب والغزل:

يُعَدُّ “عدي بن ربيعة” أو “الزير سالم” واحداً من أبرز شعراء الجاهلية، وأحد أعمدة الشعر العربي القديم؛ إذ تميزت قصائده بعمق الإحساس وجمال التعبير، وتنوعت موضوعاتها بين الحب، والفخر، والانتقام، والثأر.

مع أنَّ الشعر العربي الجاهلي يُعَدُّ غالباً مشبَعاً بالحب والغزل، فإنَّ “عدي بن ربيعة” لم يُسجَّل عنه شعر في حب النساء بشكل بارز؛ بل كانت معظم قصائده تتناول موضوع حبه العميق لأخيه “كليب” مثل القصيدة الآتية التي تُعَدُّ من شعر “الزير سالم” في الحب والغزل:

أَهاجَ قَذاءَ عَينِيَ الإِذكارُ   هُدُوَّاً فَالدُموعُ لَها اِنحِدارُ

وَصارَ اللَيلُ مُشتَمِلاً عَلَينا   كَأَنَّ اللَيلَ لَيسَ لَهُ نَهارُ

وَبِتُّ أُراقِبُ الجَوزاءَ حَتَّى   تَقارَبَ مِن أَوائِلِها اِنحِدارُ

أُصَرِّفُ مُقلَتَيَّ في إِثرِ قَومٍ   تَبايَنَتِ البِلادُ بِهِم فَغاروا

وَأَبكي وَالنُجومُ مُطَلِّعاتٌ   كَأَن لَم تَحوِها عَنِّي البِحارُ

عَلى مَن لَو نُعيتُ وَكانَ حَيَّاً   لَقادَ الخَيلَ يَحجُبُها الغُبارُ

دَعَوتُكَ يا كُلَيبُ فَلَم تُجِبني  وَكَيفَ يُجيبُني البَلَدُ القِفارُ

أَجِبني يا كُلَيبُ خَلاكَ ذَمُّ   ضَنيناتُ النُفوسِ لَها مَزارُ

أَجِبني يا كُلَيبُ خَلاكَ ذَمُّ   لَقَد فُجِعَت بِفارِسِها نِزارُ

سَقاكَ الغَيثُ إِنَّكَ كُنتَ غَيثاً   وَيُسراً حينَ يُلتَمَسُ اليَسارُ

أَبَت عَينايَ بَعدَكَ أَن تَكُفَّا   كَأَنَّ غَضا القَتادِ لَها شِفارُ

وَإِنَّكَ كُنتَ تَحلُمُ عَن رِجالٍ  وَتَعفو عَنهُمُ وَلَكَ اِقتِدارُ

وَتَمنَعُ أَن يَمَسَّهُمُ لِسانٌ  مَخافَةَ مَن يُجيرُ وَلا يُجارُ

وَكُنتُ أَعُدُّ قُربي مِنكَ رِبحاً  إِذا ما عَدَّتِ الرِبحَ التِجارُ

فَلا تَبعَد فَكُلٌّ سَوفَ يَلقى  شَعوباً يَستَديرُ بِها المَدارُ

يَعيشُ المَرءُ عِندَ بَني أَبيهِ  وَيوشِكُ أَن يَصيرَ بِحَيثُ صاروا

خُذِ العَهدَ الأَكيدَ عَلَيَّ عُمري  بِتَركي كُلَّ ما حَوَتِ الدِيارُ

وَهَجري الغانِياتِ وَشُرب كَأسٍ  وَلُبسي جُبَّةً لا تُستَعارُ 

شعر الزير سالم في الحرب:

تُعَدُّ حرب البسوس التي كان “الزير سالم” فيها قائداً لقبيلة “تغلب” ضد أبناء عمومتهم “بني بكر” واحدة من أطول وأعنف الحروب التي عرفتها العرب في العصر الجاهلي، فكانت هذه الحرب تجسيداً للصراعات القبلية بشأن الثأر، فقد اندلعت بين أبناء العمومة بعد مقتل “كُليب” شقيق “الزير سالم” على يد “جساس بن مرة” أحد البكريين، وخلال هذه الحرب أنشد “الزير سالم” عدداً من أبيات الشعر، وفيما يأتي شعر “الزير سالم” في الحرب:

قصيدة الزير سالم في الحرب:

أَكثَرتُ قَتلَ بَني بَكرٍ بِرَبِّهِمِ  حَتَّى بَكَيتُ وَما يَبكي لَهُم أَحَدُ

آلَيتُ بِاللَهِ لا أَرضى بِقَتلِهِ  حَتَّى أُبَهرِجَ بَكراً أَينَما وُجِدوا

قال في قصيدة أخرى عن الحرب:

أَثبَتُّ مُرَّةَ وَالسُيوفُ شَواهِرٌ   وَصَرَفتُ مُقدَمَها إِلى هَمَّامِ

وَبَني لُجَيمٍ قَد وَطَأنا وَطأَةً   بِالخَيلِ خارِجَةً عَنِ الأَوهامِ

وَرَجَعنا نَجتَنِئُ القَنا في ضُمَّرٍ   مِثلَ الذِئابِ سَريقَةِ الإِقدامِ

وَسَقَيتُ تَيمَ اللاتِ كَأساً مُرَّةً   كَالنارِ شُبَّ وَقودها بِضِرامِ

وَبُيوتَ قَيسٍ قَد وَطَأنا وَطأَةً   فَتَرَكنا قَيساً غَيرَ ذاتِ مَقامِ

وَلَقَد قَتَلتُ الشَعثَمَينِ وَمالِكاً   وَاِبنَ المُسَوَّرِ وَاِبنَ ذاتِ دَوامِ

وَلَقَد خَبَطتُّ بُيوتَ يَشكُرَ خَبطَةً   أَخوالُنا وَهُمُ بَنو الأَعمامِ

لَيسَت بِراجِعَةٍ لَهُم أَيامُهُم   حَتَّى تَزولَ شَوامِخُ الأَعلامِ

قَتَلوا كُلَيباً ثُمَّ قالوا أَرتِعوا   كَذِبوا وَرَبِّ الحِلِّ وَالإِحرامِ

حَتَّى تُلَفُّ كَتيبَةٌ بِكَتيبَةٍ   وَيَحُلَّ أَصرامٌ عَلى أَصرامِ

وَتَقومَ رَبَّاتُ الخُدورِ حَواسِراً   يَمسَحنَ عَرضَ تَمائِمِ الأَيتامِ

حَتَّى نَرى غُرَراً تُجَرُّ وَجُمَّةً   وَعِظامَ رُؤوسٍ هُشِّمَت بِعِظامِ

حَتَّى يَعَضَّ الشَيخُ مِن حَسَراتِهِ   مِمَّا يَرى جَزَعاً عَلى الإِبهامِ

وَلَقَد تَرَكنا الخَيلَ في عَرَصاتِها   كَالطَيرِ فَوقَ مَعالِمِ الأَجرامِ

فَقَضَينَ دَيناً كُنَّ قَد ضُمِّنَّهُ   بِعَزائِمَ غُلبِ الرِقابِ سَوامِ

مِن خَيلِ تَغلِبَ عِزَّةً وَتَكَرُّماً   مِثلَ اللُيوثِ بِساحَةِ الآنامِ

قال أيضاً في قصيدة:

يقولُ الزيرُ أبو ليلى المهلهل   وقلبُ الزيرِ قاسٍ لا يلينا

وإن لانَ الحديدُ ما لانَ قلبي   وقلبي من حديدِ القاسيينا

فإن دارت رَحانا مع رَحاهم   طحنَّاهم وكُنَّا الطاحنينا

أُقاتلهم على ظهرِ مهرٍ   أبو حجلان مُطلِق اليدينا

فشُدِّي يا يمامةُ المهرَ شدي   وأكسِ ظهرَه السرجَ المتينا

وقال الزير سالم في الحرب:

كُلُّ قَتيلٍ في كُلَيبٍ حُلَّان   حَتَّى يَنالَ القَتلُ آلَ شَيبان

شعر الزير سالم عن العم والخال:

كانت العلاقات العائلية في العصر الجاهلي تحتل مكانة هامة في الحياة الاجتماعية والثقافية للعرب، وكانت تتأثر تأثراً كبيراً في ظل الصراعات والحروب التي كانت تشتعل بين القبائل، وقد خصص “الزير سالم” للأقارب من أعمام وأخوال قصائد كثيرة، وفيما يأتي شعر “الزير سالم” عن العم والخال:

أنشدَ الزيرُ شعراً من ضمائره  العزُّ بالسيفِ ليس العزُّ بالمالِ

شيبونٌ أرسلَ نهارَ الحربِ يطلبني  يريد حربي وقتلي دون إبطالي

نصحتُهُ عن حربي فلم يطاوعني  بارزتُهُ فهوى للأرضِ بالحالِ

المالُ يبني بيوتاً لا عمادَ لها  والفقرُ يهدِّمُ بيوتاً سقفُها عالٍ

دَعِ التقاديرَ تجري في أعنَّتها  ولا تبيتنَّ إلا خاليَ البالِ

ما بين لحظة عينٍ وانتفاضتها  يغيرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ

فكن مع الناسِ كالميزانِ معتدلاً  ولا تقولنَّ ذا عمي وذا خالي

العمُ من أنت مغمورٌ بنعمتهِ  والخالُ مَن كنتَ من أضرارهِ خالِ

لا يقطعُ الرأسَ إلا مَن يركِّبهُ  ولا تردُّ المنايا كثرةُ المالِ

شعر الزير سالم في رثاء أخيه كليب:

يمثل شعر الرثاء جانباً هاماً من تراث الشعر العربي القديم؛ إذ يعكس مشاعر الحزن والفقد والوداع تجاه الأحباء الذين فقدوا، ومن بين الشعراء الذين برعوا في فن الرثاء “الزير سالم” الذي جسَّد مأساته في خسارة أخيه “كليب” في القصيدة الآتية:

شعر المهلهل في رثاء أخيه

كُلَيبُ لا خَيرَ في الدُنيا وَمَن فيها  إِن أَنتَ خَلَّيتَها في مَن يُخَلِّيها

كُلَيبُ أَيُّ فَتى عِزٍّ وَمَكرُمَةٍ   تَحتَ السَفاسِفِ إِذ يَعلوكَ سافيها

نَعى النُعاةُ كُلَيباً لي فَقُلتُ لَهُم   مادَت بِنا الأَرضُ أَم مادَت رَواسيها

لَيتَ السَماءَ عَلى مَن تَحتَها وَقَعَت  وَحالَتِ الأَرضُ فَاِنجابَت بِمَن فيها

أَضحَت مَنازِلُ بِالسُلَّانِ قَد دَرَسَت  تَبكي كُلَيباً وَلَم تَفزَع أَقاصيها

الحَزمُ وَالعَزمُ كانا مِن صَنيعَتِهِ  ما كُلَّ آلائِهِ يا قَومُ أُحصيها

القائِدُ الخَيلَ تَردي في أَعِنَّتَها  زَهواً إِذا الخَيلُ بُحَّت في تَعاديها

الناحِرُ الكومَ ما يَنفَكُّ يُطعِمُها  وَالواهِبُ المِئَةَ الحَمرا بِراعيها

مِن خَيلِ تَغلِبَ ما تُلقى أَسِنَّتُها  إِلَّا وَقَد خَصَّبَتها مِن أَعاديها

قَد كانَ يَصبِحُها شَعواءَ مُشعَلَةً  تَحتَ العَجاجَةِ مَعقوداً نَواصيها

تَكونُ أَوَّلَها في حينِ كَرَّتِها  وَأَنتَ بِالكَرِّ يَومَ الكَرِّ حاميها

حَتَّى تُكَسِّرَ شَزاراً في نُحورِهِم  زُرقَ الأَسِنَّةِ إِذ تُروى صَواديها

أَمسَت وَقَد أَوحَشَت جُردٌ بِبَلقَعَةٍ  لِلوَحشِ مِنها مَقيلٌ في مَراعيها

يَنفُرنَ عَن أُمِّ هاماتِ الرِجالِ بِها  وَالحَربُ يَفتَرِسُ الأَقرانَ صاليها

يُهَزهِزونَ مِنَ الخَطِّيِّ مُدمَجَةً  كُمتاً أَنابيبُها زُرقاً عَواليها

نَرمي الرِماحَ بِأَيدينا فَنورِدُها  بيضاً وَنُصدِرُها حُمراً أَعاليها

يا رُبَّ يَومٍ يَكونُ الناسُ في رَهَجٍ   بِهِ تَراني عَلى نَفسي مُكاويها

مُستَقدِماً غَصصاً لِلحَربِ مُقتَحِماً   ناراً أُهَيِّجُها حيناً وَأُطفيها

لا أَصلَحَ اللَهُ مِنَّا مَن يُصالِحُكُم   ما لاحَتِ الشَمسُ في أَعلى مَجاريها

شعر الزير السالم في منامه:

في ذات ليلة وفي أثناء نوم “الزير سالم” بعد مقتل أخيه “كُليب”، رأى في منامه أخاه “كليباً” يعاتبه بأبيات من الشعر لأخذ الثأر؛ إذ قال:

وعظمي ذاب حتى صار كحلا  وجساس بن مرة في الحياة

تنام الليل كله يا مهلهل  وثأري ما قدرت على وفاه

ومن ثمَّ رأى بنات أخيه ينشدن شعراً أيضاً:

يقولون اليتامى يا مهلهل   كُليبٌ أتانا يستنجد بأخيه

كُليبٌ قام من وسط المقابر   وصار كليب في وسط الحياة

شعر الزير سالم قبل موته:

بعد أن أضعف الدهر “الزير سالم” وأذهب قواه وكانت بنات أخيه “كليب” يراعينه ويهتممن به، إلى أن جاء يوم وطلب من “الجرو” ابن أخيه “كليب” أن يخرج في رحلة فقد مل من الوحدة، واستجاب له “الجرو” وأرسل معه عبدين لخدمته وظل “الزير سالم” يتجول حتى وصل بلاد الصعيد.

تعب العبدان من مرافقته وضاقا منه، فقررا قتله والتخلص منه وإخبار أهله أنَّ المنية قد وافته، وقد أدرك الزير ذلك فقال لهما إنَّه يريد منهما أن يخبرا أهله وصيته وتعهَّدا له بذلك، فقال: “إذا وصلتم الحي فأقرأا أهلي السلام، وأنشداهم هذا البيت، وقولا لهم إنِّي في القبر اختفيت”، فقال:

مَن مُبلغ الأقوام أنَّ مهلهلاً   لله دركما ودر أبيكما

ما إن جاء الليل حتى قتلاه ودفناه في التراب، وعادا إلى “الجرو” وأخبراه بموت “الزير سالم”، فبكى “الجرو” عليه كثيراً، ومن ثمَّ اقتربا منه وأخبراه بوصية “الزير” وأنشدا البيت المذكور، فلم يفهم “الجرو” منه شيئاً، واستدعى أخته “اليمامة” وأعلمها بأمر عمها الزير وأنشدها البيت، فبكت “اليمامة” وقالت: عمي الزير لا يقول أبيات شعر ناقصة؛ بل أراد أن يقول:

مَن مُبلغ الأقوام أنَّ مهلهلاً   أضحى قتيلاً في الفلاة مُجندَلاً

لله دركما ودر أبيكما  لا يبرح العبدان حتى يُقتَلا

وبذلك انتهت حياة “الزير سالم”، الحياة المليئة بالانتقام؛ إذ أخذ بثأره في حياته وفي مماته أيضاً.

في الختام:

“الزير سالم” من أبرز شعراء العصر الجاهلي الذين تركوا بصمة لا تُنسى في تاريخ الأدب العربي، وقد تنوعت موضوعات شعره بين الحب والحرب والفخر، وتجسدت روح البطولة والوفاء لأخيه في قصائده التي ابتعدت عن الغزل التقليدي لتنطلق نحو حربه ورغبته في الثأر لأخيه “كليب”، كما خلدت مجموعة من أجمل القصائد الشعرية حياة الزير سالم وجعلتنا لا ننساه على الرغم من مرور مئات السنين على موته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى