من هو عمر أبو ريشة؟ نسبه وحياته وشعره
نبذة عن عمر أبو ريشة:
عمر أبو ريشة، الشاعر السوري البارز، وُلد في مدينة منبج بحلب في سوريا عام 1910م، نشأ في بيت محب للشعر والأدب، حصل على تعليمه الابتدائي في حلب، وأتم دراسته الثانوية في بيروت، بعد ذلك، أرسله والده إلى إنجلترا لدراسة الكيمياء العضوية في جامعة مانشستر، لكنَّه لم ينسَ فن الشعر الذي كان يعشقه.
يعد أبو ريشة من بين أبرز الشعراء والأدباء في العصر الحديث، وقدم إسهامات كبيرة في الأدب العربي والشعر بأسلوبه الراقي والمميز الذي تفرَّد به، عمل في عدة مناصب دبلوماسية هامة، فشغل منصب سفير سوريا في عدة دول من بينها الهند والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل.
حظي عمر أبو ريشة بالعديد من الجوائز والأوسمة من الدول العربية والأجنبية، وشارك في المؤتمرات الثقافية العربية والدولية، حاملاً رسالة الفن والثقافة العربية إلى العالم، وفي الرابع عشر من تموز عام 1990، توفي أبو ريشة بسبب جلطة دماغية في الرياض، ونُقِلَ جثمانه إلى مدينة حلب في سوريا ودُفن بأرض الوطن التي أحبها وأبدع فيها.
حياة عمر أبو ريشة:
1. ولادته:
تنوعت الآراء في تاريخ ميلاد عمر أبو ريشة، فذكر الدكتور سامي الدهان في كتابه “الشعراء الأعلام في سورية” أنَّ الشاعر وُلد في عام 1908 في منبج، التابعة إدارياً لمحافظة حلب، ووافقه في هذا الرأي أحمد الجندي في كتابه “شعراء سوريا”، بينما أشار الأستاذ سامي الكيالي في كتابه “الأدب العربي المعاصر في سوريا” إلى أنَّه وُلد في عام 1910 في قضاء منبج، مدينة البحتري وأبو فراس الحمداني.
2. نسبه:
ينتمي عمر بن شافع بن الشيخ مصطفى أبو ريشة إلى عائلة تنحدر من آل حيَّار بن مهنا بن عيسى من سلالة فضل بن أبي ربيعة من طيء، والدته هي خيرة الله بنت إبراهيم علي نور الدين اليشرطي، وهي فتاة من عكا، وكان والدها شيخ الطريقة الشاذلية بفلسطين.
والده شافع، كان رجل إدارة وسياسة وكان قائم مقام في منبج ثم في حلب وفي هجرة الأرمن من أرمينيا بعد مذبحتهم الشهيرة، لجؤوا إلى حلب وأتى الأمر العثماني لذبحهم، لكنَّه لم ينفذ الأمر وأخفى من لجأ منهم إليه، فصدر فيه حكم الإعدام وما يزال أرمن مدينة حلب يكنُّون الامتنان والاحترام الخاص لآل أبي ريشة.
كان لدى عمر ثلاثة أشقاء؛ الأخت الكبرى سارة، وشقيقه الأكبر ظافر الذي كان شاعراً معروفاً وله أكثر من ديوان شعر مطبوع منها “لحن المساء”، و”من نافذة الحب”، أما الأخت الثانية زينب فقد كانت شاعرة أيضاً، وكانت تنشر قصائدها في المجلات الأدبية، وهذا جعلها محل تقدير واحترام في الأوساط الأدبية.
3. التعليم:
حصل عمر أبو ريشة على تعليمه الابتدائي في مدارس مدينة حلب، ثم أرسله جده إلى الجامعة الأمريكية لإكمال تعليمه الثانوي في عام 1924، وقد تعرَّف هناك إلى الشعراء الثلاثة الذين أنجبتهم الجامعة الأمريكية، وهم “إبراهيم طوقان”، و”حافظ جميل”، و”وجيه البارودي”، وبعد ذلك، أُرسله والده إلى مانشستر في بريطانيا لدراسة الكيمياء العضوية عام 1928، لكنَّه لم يكمل دراسته هناك، بل عاد إلى حلب في عام 1932، وبدأ بدراسة الأدب الإنجليزي.
4. الحياة المهنية:
تولى عمر أبو ريشة خلال حياته عدة مناصب وتلقى عدة أوسمة أيضاً، وكانت البداية بتسلمه إدارة دار الكتب الوطنية في حلب عام 1949 ومن ثم توالت المناصب:
- وزير سوريا المفوض في البرازيل 1949 وحتى 1953.
- سفير سوريا في الهند 1954 وحتى 1958.
- سفير الجمهورية العربية المتحدة في الهند 1958 وحتى 1959.
- سفير الجمهورية العربية السورية للنمسا 1959 وحتى 1961.
- سفير سوريا للولايات المتحدة 1961 وحتى 1963.
- سفير سوريا للهند 1964 وحتى 1970.
تخللت مسيرته عدة مناصب فخرية وأوسمة منها:
- عضو مراسل بمجمع اللغة العربية في دمشق سنة 1948.
- عضو في الأكاديمية البرازيلية للآداب.
- نال الوشاح الأكبر كمنحة من الأرجنتين.
- عضو للمجمع الهندي للثقافة العالمية، شغل فيه كرسي الأدب.
- نال وشاح الثقافة من النمسا.
- دكتوراه الثقافة العالمية في الآداب عام 1981 من قبل الجامعة العالمية بالتعاون مع الطاولة المستديرة لجامعة الآداب في العالم في توكسون أريزونا.
- وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى من الرئيس إلياس الهراوي.
5. زواجه:
في عام 1939، دخل عمر أبو ريشة مرحلة جديدة من حياته بعد أن تزوج من (منيرة مراد)، ابنة (محمد مراد)، الذي كان من بين أبرز رجال الأعمال في الأرجنتين، منيرة كانت شريكة حياته ورفيقته في رحلته الدبلوماسية، إذ رافقته إلى البلدان التي شغل فيها مناصب دبلوماسية وسفيراً لسوريا لمدة تقارب ربع قرن، كانت منيرة نموذجاً للسيدة الذكية في المجتمعات والأندية الثقافية التي حضرتها، وقد أنجبت له ثلاثة أبناء: رفيف وشافع وريف.
6. سبب تسمية عائلة عمر أبو ريشة باسم (أبي ريشة):
تعود تسمية عائلة عمر إلى قصة تاريخية يرويها بعض الصحفيين عن أسلافه، فيُفيدون بأنَّ أجداده كانوا من أمراء الموالي ورؤساء قبائل الطوفان والعابد والمهنا، الذين قدموا من الحجاز، وأنَّ السلطان رشاد اعتقل أحد أجداده، الذي كان يُدعى أحمد وكان كبير قبيلة الموالي، بعد تمرُّده على الحكم العثماني في شبه الجزيرة العربية، وقد نُقِلَ أحمد إلى مدينة اسطنبول وعلى ضفاف البوسفور، نال جد الشاعر احترام وتقدير السلطان، وتحوَّل الغضب إلى رضى، وتبدَّلت العداوة إلى محبة، وقد أُمِرَ بوضع ريشة مزيَّنة بكريم الجوهر على عمامة أسيره، وهذا جعلهم يُعرَفون باسم “أبو ريشة”.
إقرأ أيضاً: من هو أحمد شوقي؟
شعر عمر أبو ريشة:
عمر أبو ريشة، هو رمز من رموز الشعر العربي المعاصر بإبداعه وتميزه في الأدب، يعده الباحثون واحداً من أبرز الشعراء في زمنه، لكنَّهم يؤكدون أنَّ عمر أخطأ عندما حاول أن يبحث عن مصدر شهرته وتألُّقه في دراسته الجامعية أو عمله الدبلوماسي، بل كانت قصائده هي مفتاح نجاحه ومدخله إلى عالم الأدب والمجد، على الرغم من أنَّه كتب بالإنجليزية في بعض المناسبات، لكنَّ جماليات شعره تبرز بوضوح في قصائده العربية.
اتسم عمر بالتأني في تكوين قصائده، فقد حرص على اختيار الكلمات والموضوعات بعناية فائقة، وهذا أدى إلى تقليل كمية شعره، وكان من المعروف أنَّه يعيد النظر في قصائده مراراً وتكراراً، وقد يقتطع بعض الأبيات بعد نشرها.
من خلال قصائده، عبَّر عمر عن تطلُّعات الشعب ورغباته في التحرر والوحدة، وكان يشارك في المناسبات التي تتعلق بالقضايا الوطنية بقصائد رثائية ملحمية، كما تأثر عمر بالشعراء التقليديين والأجانب، إضافة إلى الشعر الصوفي الذي كان له اهتمام خاص به، وكان يحرص دائماً على تقديم شيء جديد ومتجدد في شعره.
تميزت قصائده بالصور الفنية الجميلة والملونة التي تعكس عمق المعاني والمشاعر، وكان يميل إلى التصوير الواقعي الذي يجسد الحياة والتجارب بطريقة مبتكرة وجديدة، قدم عمر خلال مسيرته الشعرية والأدبية مزيجاً فريداً من التجديد والاحتفاظ بأصول الشعر العربي التقليدي، ويظهر ذلك في ابتكاره لموضوعات جديدة وفي استخدامه لأساليب تجديدية في صوره الشعرية، بينما يظل محافظاً على تركيبة القصيدة العربية الكلاسيكية، ويتميز شعر عمر أبو ريشة بالبيت الأخير في القصيدة، الذي يعده بيت المفاجأة، والذي يكون له دور أساسي في إضفاء جاذبية خاصة للقصيدة.
خصائص شعر عمر أبو ريشة:
1. تأثر شعره بالتراث والشعراء الأجانب:
يعكس شعر عمر أبو ريشة تأثره بالتراث الشعري العربي والأجنبي، فيجمع بين الجوانب الكلاسيكية والمعاصرة في قصائده.
2. الحرص على الصدق والواقعية:
يتميز شعره بالصدق والواقعية، فسعى إلى تصوير الحياة بموضوعية ومن دون تكلف أو خيالية مبالغ فيها، وهذا أضفى على قصائده مصداقية وقوة تأثير.
3. الابتكار والتجديد:
سعى عمر في شعره إلى تقديم الجديد والمتميز، دون الوقوع في التقليد والمحافظة على شكل القصيدة التقليدية في الوقت نفسه.
شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
4. الاهتمام بالصورة الفنية:
تميز شعره بالصور الفنية الجميلة، فنجد كثيراً من الاستعارات والتشبيهات في شعره.
5. التعبير عن المشاعر والأفكار:
يعبر في شعره عن مجموعة متنوعة من المشاعر والأفكار، وهذا يجعل قصائده متنوعة وملهمة للقراء.
6. الاهتمام بالقضايا الوطنية والقضايا الاجتماعية:
ينعكس في شعره الاهتمام بالوطنية والقضايا الاجتماعية.
7. المديح:
يغطي مديح عمر لنفسه ولشعره مساحة كبيرة من قصائده.
8. المحافظة على المبادئ:
يُظهِر شعر أبو ريشة إصراره على المحافظة على مبادئه وقيمه التي يؤمن بها.
9. الإكثار من استخدام أسلوب النداء:
كان شعر أبو ريشة غنياً بأسلوب النداء.
10. الإكثار من استخدام أسلوب الإشارة:
كان أبو ريشة يكثر من استخدام أسلوب الإشارة في شعره.
وفاة عمر أبو ريشة:
في يوم السبت الموافق 14 تموز من عام 1990، ودَّع الشاعر الكبير عمر أبو ريشة الحياة وانتقل إلى الدار الآخرة، وكان ذلك نتيجة جلطة دماغية، وهذا أدى إلى إلزامه بالفراش لمدة سبعة أشهر في مستشفى الملك فيصل في الرياض.
بعد وفاته، نُقِلَ جثمانه بواسطة طائرة خاصة من الرياض إلى مدينة حلب وُورِيَ في الثرى، يُعد عمر أبو ريشة واحداً من أبرز الشعراء في عصره، وقيمته الأدبية محفوظة بين شعراء العصر الكبار.
في الختام:
عمر أبو ريشة شاعر سوري بشخصية أدبية استثنائية تميزت بموهبة شعرية فريدة وأسلوب متميز في التعبير عن الأفكار والمشاعر، من خلال قراءة قصائده ودراسة حياته، نجد أنَّه شاعر يتمتع بقدرة استثنائية على استخدام الصور الشعرية الغنية والأخيلة البديعة التي تأسر القلوب وتثير العقول.
عمر أبو ريشة كان مثالاً للشاعر الذي يسعى دائماً إلى الارتقاء بالشعر العربي وتجديده، دون أن يفقد الاتصال بالتقاليد الأدبية القديمة، ويتجلى ذلك في استخدامه لصور الشعر الكلاسيكية بأسلوب معاصر يحمل بصمته الخاصة، إضافة إلى ذلك، يظهر عمر أبو ريشة بصفته شاعراً يحمل طموحاً عالياً وإرادة قوية في تحقيق أهدافه والتمسك بمبادئه، فيتجلى ذلك في تفانيه في صناعة الشعر والبحث عن الكمالية في كل قصيدة يكتبها، يبقى عمر أبو ريشة شاعراً متميزاً ترك بصمته في تاريخ الأدب العربي، ويستمر إرثه الشعري في إلهام الأجيال المختلفة.