من هو أمل دنقل؟ نسبه وحياته وشعره
لقد كتبت عبلة عن قصة حبها في كتابها الأول “الجنوبي”، الذي نقلت فيه المحطات التي مرَّت بها حياتها وذكرياتها معه، فتحدَّثت عن إنسانية أمل دنقل وتمرده وطباعه الجيدة والسيئة وإحساسه بالآخر، تلك الصفات التي جعلتها تُعجَب به بعد لقائها معه في دار الأدباء، لتجرب حواراً صحفياً معه.
تكررت اللقاءات وظهر الإعجاب بالرغم من مظهره المفاجئ، فقد رسمت في مخيلتها صورة للشاعر جميل المظهر وبارع الكلام، إلا أنَّها وجدت شاباً قليل الكلام لا يملك ثمن شراء البدلات الجميلة ولا فنجان القهوة، فصارحته بالرغم من تباعد عالميهما، ففتحت بذلك قلبه الجامد الذي لم يعرف الحب سابقاً، وجمعهما الحب والتضحية، فأصبحت أقصى أحلامها أن يكتب قصيدة جديدة.
تلك القصة دفعتنا لنبحث أكثر ونتعرف إلى شخصية الشاعر أمل دنقل، ومقالنا اليوم يعرفك إلى حياة أمل دنقل، فتابع القراءة.
نبذة عن أمل دنقل:
أمل دنقل شاعر مصري عُرِف بعروبته وقوميته، كما عرف بأنَّه صاحب كلمة “لا” الشعرية التي جعلت منه أمير شعراء الرفض، واسمه بالكامل محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل، والذي ولد في عام 1940م في محافظة قنا في صعيد مصر في قرية القلعة تحديداً.
كان والد أمل دنقل أحد علماء الأزهر الشريف، أما اسمه فكان نتيجة الإجازة العالمية التي حصل عليها والده في السنة التي ولد فيها أمل، فقد سمَّاه أمل تيمُّناً بما حققه من نجاح، وعُرِف أمل دنقل بالذكاء والاجتهاد والنباهة، وورث موهبة الشعر من والده، كما ورث من والديه معاً الشخصية القوية والاعتزاز بالنفس والانتظام واحترام القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية.
فَقَدَ أمل والده عندما كان في عامه العاشر، فأثر ذلك في حياته، فأكسبه الفقدان مسحة حزن ظهرت واضحة في أشعاره، ولكن ترك له مكتبة ضخمة ضمت كتب الشريعة والتفسير والفقه، وأهم كتب التراث العربي التي كانت اللبنة الأولى التي صنعت الشاعر أمل دنقل.
حياة أمل دنقل:
بعد أن توفي والد أمل دنقل كان مصدر رزق العائلة الأساسي هو بيت يتم تأجيره، فقد ترك والده بيتاً مؤلفاً من طابقين سكنوا في أحدهما وأجَّروا الآخر، وخلال فترة الدراسة في المدرسة ألقى العديد من الأشعار التي كتبها في الاحتفالات التي أقيمت في المدرسة الوطنية منها والاجتماعية والدينية.
في عام 1956م، نُشِرَت أبيات شعرية له في مجلة مدرسة قنا الثانوية، وبعد إنهاء الدراسة الثانوية في مدينة قنا، التحق أمل بكلية الآداب في القاهرة، وتوقف فيما بعد عن الدراسة لأنَّه عمل موظفاً في محكمة قنا وموظفاً في جمارك الإسكندرية وفي السويس وثم في منظمة التضامن الأفروآسيوي.
كان يشعر بأنَّ القاهرة عالم جديد مختلف عن عالمه السابق، فجعل ذلك تأقلمه صعباً في البداية، وحبه للشعر جعله دائم الفرار من وظيفته، فلم يستقر أمل دنقل في وظيفة معينة، كما أنَّه كان دائم التنقل، فلم يربطه مكان أو عمل، وأكد على ذلك بنفسه حين قال: “أنا لم أعرف عملاً لي غير الشعر، لم أصلح في وظيفة، لم أنفع في عمل آخر”.
أما لقاء أمل دنقل بعبلة الرويني، فكان في عام 1976م، فكانت حينها عبلة تعمل في جريدة الأخبار، ونشأت علاقة حب جمعتهما تكلَّلت بالزواج في عام 1978م بالرغم من عدم امتلاك أمل للمال أو المسكن، فكان ينتقل من فندق لآخر، وأصبحت عبلة تتنقل معه.
تقول عبلة إنَّها حُذِّرَت كثيراً من أمل لأنَّ الناس لم تتفهم هذا الحب الشديد الذي جمعهما، فقيل عنهما “الغراب خطف يمامة”، وخلال ذلك كان أمل دنقل يعيش صراع الواقع العربي ويكتب عنه، وكان على صدام مستمر مع السلطات في مصر؛ نتيجة رفضه لمعاهدة السلام ولأنَّ أشعاره عبرت عن ذلك، فكان المتظاهرون يهتفون بأشعاره عندما يحتجون في الطرقات، والسبب وراء وصول أشعاره إلى قلوب الجميع هو صدقه في التعبير عن همومه وهموم الشعب العربي.
شعر أمل دنقل:
الشعر في حياة أمل دنقل هو العمل الأساسي منذ طفولته، فيقول عبد الناصر دنقل وهو ابن عم أمل إنَّ أمل سأل أحد معلمي اللغة العربية في المدرسة كيف بإمكانه أن يصبح شاعراً مميزاً، فأجاب المعلم: “من أراد أن يكون شاعراً فليحفظ 1000 بيت من بطون الشعر العربي، وليدرس علم العروض”، فأصبح أمل يهتم بذلك أكثر من اهتمامه بتحصيل المواد الدراسية، واستمر بالسعي نحو هدفه، فكتب أجمل الدواوين الشعرية وهي كما يأتي:
- “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” كتبه تأثراً بالنكسة، وهو الديوان الأول ونُشِر في 1969م، وهو الديوان الذي تسبب بشهرته عربياً، لأنَّه جسَّد فيه إحساس المواطن العربي في تلك الفترة.
- “تعليق على ما حدث” وهو الديوان الثاني ونُشِر في 1973م.
- “مقتل القمر” ديوانه الثالث الذي يمجِّد فيه نصر 1973م في قصيدة واحدة فقط، ونُشِر في 1974م.
- “العهد الآتي”، ونُشِر في 1975م.
- “أقوال جديدة عن حرب البسوس”، ونُشِر في 1983م.
- “أوراق الغرفة 8″، ونُشِر في 1983م.
شاهد بالفديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم
أشهر قصائد أمل دنقل هي القصائد الآتية:
1. قصيدة “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة”:
إليك بعض منها:
أيَّتًها العرافةُ المقدَّسة
جئتُ إليكِ.. مُثخناً بالطعناتِ والدماء
أزحفُ في معاطفِ القتلى، وفوق
الجثثِ المُكدَّسة
منكسرَ السيف، مغبرَّ الجبين
والأعضاء
أسألُ يا زرقاء….
عن فمِكِ الياقوت عن، نبوءة
العذراء
عن ساعدي المقطوع… وهو ما
يزال مُمسكاً بالراية المنكَّسة
إقرأ أيضاً: معلقة عنترة بن شداد
2. قصيدة “لا تصالح”:
التي يقول فيها:
لا تصالِح
ولو منحوكَ الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبِّت جوهرتين مكانهما
هل ترى..؟
هي أشياء لا تُشترى
لا تصالِح.. ولو توَّجوكَ بتاجِ الإمارة
كيفَ تخطو على جثةِ ابن أبيك
وكيف تصيرُ المليكَ… على أوجهِ البهجةِ المستعارة
كيفَ تنظرُ في يدي من صافَحوك، فلا تبصِر الدمَ في كلِّ كف
لا تصالِح.. فليس سوى أن تريد
أنتَ فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواكَ المسوخ
لا تصالِح….
3. قصيدة “حمامة”:
إليك بعض منها:
حينَ سرتُ في الشارعِ الضوضاء
واندفعَت سيارةٌ مجنونةُ السَّائق
تطلِقُ صوتَ بوقها الزاعق
في كبدِ الأشياء:
تفرَّعَت حمامةٌ بيضاء
(كانت على تمثال نهضة مصر…
تحلم في استرخاء)
4. قصيدة “خطاب غير تاريخي”:
يقول في مطلعها ما يأتي:
أنتَ تسترخي أخيراً
فوداعاً…
يا صلاحَ الدين
يا أيًّها الطبل البدائي الذي تراقص
الموتى
على إيقاعه المجنون
5. قصيدة “العشاء”:
والتي يقول فيها ما يأتي:
قصدتُهم في موعدِ العشاء
تطالعوا لي برهة،
ولم يرد واحدٌ منهم تحيةَ المساء!
وعادَت الأيدي تراوحُ الملاعق الصغيرة
في طبقِ الحساء
نظرتُ في الوعاء:
هتفتُ:
“ويحكم… دمي هذا دمي….
فانتبهوا”
لم يأبهوا!
وظلَّتِ الأيدي تراوحُ الملاعق الصغيرة
وظلَّتِ الشفاهُ تلعقُ الدماء!
خصائص شعر أمل دنقل:
أبرز ما يميز شعر أمل دنقل ما يأتي:
- حمل أمل دنقل في شعره هموم الشعب العربي، فمثَّل صوت الشباب العربي.
- تكثر في شعر أمل دنقل طرائق التصوير والتعبير، الأمر الذي أعطى قصائده جمالية خاصة.
- تعدد أساليب تركيب الجمل والنصوص.
- تُظهِر قصائد أمل دنقل قدرته الإبداعية المميزة في المزج بين القديم والحديث، فقد استوحى قصائده من رموز التراث العربي، وظهر ميل أمل دنقل إلى التجديد في العروض واضحاً، فقد عمل على توظيف أكثر من بحر من بحور الشعر في القصيدة ذاتها.
- الصدق والموضوعية والواقعية في نقل صورة الحياة.
- ظلَّ أمل دنقل وفياً للتراث العربي الإسلامي، فكان بمنزلة المصدر الأساسي لشعره، وكان للكلمات القرآنية وقع مميز في شعره، كما أنَّ رؤيته الاجتماعية استندت إلى الموروث الديني.
وفاة أمل دنقل:
عانى أمل دنقل من مرض السرطان، واستمرت معاناته لمدة أربع سنوات تقريباً، وعبَّر عن تلك المعاناة في قصائده التي تضمنتها المجموعة “أوراق الغرفة 8″؛ والرقم 8 هو رقم غرفته التي قضى فيها سنوات مرضه في المعهد القومي للأمراض.
بدأ أصدقاء أمل والمعجبون فيه بحملة لمطالبة الدولة بعلاجه، فطلب أمل من أصدقائه التوقف عن ذلك، وقصيدة “السرير” هي القصيدة التي وصف فيها معاناته ولحظاته الأخيرة، أما آخر قصيدة كتبها فكانت بعنوان “الجنوبي”، وكانت وفاة أمل في 21 أيار من عام 1983م.
إقرأ أيضاً: من هو نزار قباني؟
في الختام:
أمل دنقل شاعر مصري ترك قصائد خلدت في نفوس العرب، فقد كان شعره الذي يعبر عن الواقع العربي الشعر الذي شغله عن العمل، فكثر تنقله بين الوظائف وبين المدن أيضاً، وحتى حين تزوج عبلة التي جمعته بها قصة حب مميزة فقد ضحَّت بحياة الثراء لأجل أمل.
كتب أمل أجمل القصائد والدواوين الشعرية، وذكرنا في مقالنا أبرزها، أما وفاة أمل دنقل فكانت نتيجة معاناته مع مرض السرطان التي تحدَّث عنها بقصائد كَتَبَها خلال إقامته للعلاج.