البحر الطويل وأهم القصائد عنه
يُنسَب أصل البحر الطويل إلى العصر الجاهلي، واستخدمه كبار الشعراء العرب في مختلف العصور للتَّعبير عن مختلف الموضوعات، من الغزل والرثاء والوصف إلى الحكمة والفخر.
في هذا المقال سنغوص في رحلة عبر الزمن لنكتشف روعة البحر الطويل وسنتعرَّف إلى أهم القصائد التي قيلت على هذا البحر من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث.
البحر الطويل رحلة عبر إيقاع الشعر العربي:
البحر الطويل أحد أعرق بحور الشعر العربي، يتميَّز بإيقاعه المتزن ووزنه الفريد، الذي يضفي على القصائد طابعاً من الجلال والرصانة، ويُعدُّ من أصعب البحور نظماً، لكنَّه يُتيح للشاعر إمكانات متنوِّعة للتعبير عن مختلف المشاعر والأفكار.
يُعتقد أنَّ اسم “البحر الطويل” قد نشأ لأحد الأسباب الآتية:
1. طول البيت:
يتكون البيت في البحر الطويل من ثمانية أجزاء، أي ما يعادل 48 حرفاً وهو أطول من بعض البحور الأخرى.
2. صعوبة النظم:
يُعدُّ البحر الطويل من أصعب البحور العربية نظماً، وهذا يتطلب من الشاعر مهارات شعرية عالية.
3. تنوُّع الأغراض:
يُستخدم البحر الطويل في مختلف أغراض الشعر العربي، مثل: الفخر والرثاء والوصف والمديح.
العروض هو الجزء الأول من البيت، والضرب هو الجزء الثاني من البيت، ومن خصائص هذا البحر:
- الإيقاع: يتميز البحر الطويل بإيقاعه المتزن، فتتناغم التفعيلات مع بعضها بعضاً لتخلق إيقاعاً موسيقياً جذاباً.
- الجمال: يُضفي البحر الطويل على القصائد طابعاً من الجمال والرصانة، وذلك بفضل وزنه الفريد وتنوع إمكاناته التعبيرية.
- الصعوبة: يُعدُّ البحر الطويل من أصعب البحور العربية نظماً، وهذا يتطلب من الشاعر مهارات شعرية عالية.
- التنوع: يُستخدم البحر الطويل في مختلف أغراض الشعر العربي، وهذا يدل على قدرته على التعبير عن مختلف المشاعر والأفكار.
ما هي تفعيلات البحر الطويل؟
لكل شعر تفعيلات خاصة به تميزه عن غيره؛ لذا في هذا المقال لا بد من التعرف إلى تفعيلات البحر الطويل الخاصة به، والذي يعد حفظها هاماً جداً لمعرفة الشعر من نوع البحر الطويل:
فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ
فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ
ونلاحظ أنَّ فعولن مفاعيلن مكررة في كل شطر مرتين وفي كل بيت أربع مرات، ويمكن حفظها على النحو الآتي:
طويل له دون البحور فضائل
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِل
بماذا يتميز البحر الطويل عن باقي البحور الشعرية؟
يتميز البحر الطويل عن باقي البحور الشعرية بمجموعة من الخصائص الفريدة، إليك أهمها:
1. الوزن:
يتكون البحر الطويل من تفعيلتين مختلفتين هما “فعولن” و”مفاعيلن”.
تتكرر كل تفعيلة أربع مرات في كل شطر، وهذا يجعله من أطول البحور العربية، ويبلغ عدد حروفه ثمانية وأربعين حرفاً في حالة التصريع بالزيادة، وهو أمر لا مثيل له في أي بحر آخر.
2. العروض والضرب:
لا تأتي عروض الطويل سالمة (مفاعيلن) إلا عند التصريع، ويمكن أن تكون العروض مقبوضة (مفاعلن) في غير حالة التصريع، ويمكن أن يكون الضرب صحيحاً (مفاعيلن) أو مقبوضاً (مفاعلن) أو محذوفاً (فاعلن).
3. خصائص أخرى:
يُعد البحر الطويل من أسهل البحور العربية في النظم، فيتميز بتنوعه وإمكانية استخدامه في مختلف أغراض الشعر، ويُستخدم في كتابة القصائد الطويلة والقصص الملحمية، ويُفضل استخدامه في وصف الأحداث التاريخية والمواقف العظيمة.
أمثلة عن قصائد من البحر الطويل:
1. قصيدة “سلا القلب عما كان يهوى” للشاعر عنترة بن شداد:
سَلا القَلبُ عَمَّا كانَ يَهوى وَيَطلُبُ
وَأَصبَحَ لا يَشكو وَلا يَتَعَتَّبُ
صَحا بَعدَ سُكرٍ وَانتَخى بَعدَ ذِلَّةٍ
وَقَلبُ الَّذي يَهوى العُلا يَتَقَلَّبُ
إِلى كَم أُداري مَن تُريدُ مَذَلَّتي
وَأَبذُلُ جُهدي في رِضاها وَتَغضَبُ
عُبَيلَةُ أَيَّامُ الجَمالِ قَليلَةٌ
لَها دَولَةٌ مَعلَومَةٌ ثُمَّ تَذهَبُ
فَلا تَحسَبي أَنِّي عَلى البُعدِ نادِمٌ
وَلا القَلبُ في نارِ الغَرامِ مُعَذَّبُ
وَقَد قُلتُ إِنِّي قَد سَلَوتُ عَنِ الهَوى
وَمَن كانَ مِثلي لا يَقولُ وَيَكذِبُ
2. قصيدة “رأتني فقالت أنت شيخ وإنَّما” للشاعر أبو الطفيل القرشي يمدح فيها الحجاج:
رأتني فقالت أنت شيخٌ وإنَّما
يروق الغواني مجدب الخدِّ خالعُ
لكِ الخير لو أبصَرتني يومَ مأزقٍ
وقد لمعت فيه السيوف القواطِعُ
وعندَ الندى ناهيكِ بي من أخي الندى
وعند حجاج القوم قولي قاطع
يعدونني شيخاً وقد عشت حقبةً
وهُنَ عن الأزواج نحوي نوازع
وما شاب رأسي من سنين تتابعت
علَيَّ ولكن شيَّبَتني الوقائع
وما قصرت بي همتي دون بغيتي
ولا دَنَّستني منذ كنت المطامع
فإنَّكِ لا تدرين أن رُبَّ غارة
كورد القطا ريعانها مُتَتَابعُ
نصبت لها وجهي وورداً كأنَّه
لها نصبٌ قد ضَرجته النقائِعُ
3. قصيدة “أدرها كما مجَّ الندى ورق الورد” للشاعر ابن هانئ الأصغر وهو يصف محبوبته:
أَدِرْهَا كما مَجَّ النَّدَى وَرَقُ الوَرْدِ
وأَشْرَقَ جِيدُ الجُود في لُؤلُؤِ العِقْدِ
حبابٌ على صهباءِ راحٍ كأنَّهُ
فُتاتٌ من الكافور في العَنْبر الوَرْد
تَخَيَّلْتُها مصروعةً في مِزَاجها
بما مَلأَتْ فاها من الزَّبَدِ
الجَعْد كَواها سِنانُ الماء طعناً فَدُرِّعَته
مخافةَ عَوْدِ الطَّعْن بالْحَبَبِ السَّرْد
شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
4. قصيدة “الرأي قبل شجاعة الشجعان” يقول المتنبي واصفاً ذكاء وفطنة سيف الدولة الحمداني:
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ
هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
فَإِذا هُما اجتَمَعا لِنَفسٍ مرة
بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ
وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ
بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ
لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ
أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ
وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَت
أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرَّانِ
لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ
لَمَّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ
خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتَّى
ما دُرى أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ
وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلى
أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ
تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ
وَعِندَهُ أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ
في الهَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ
قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد
إِلَّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ
إقرأ أيضاً: من هو إيليا أبو ماضي؟
5. قصيدة “لعل نسيم الروض من خلل الزهر” يصف الشاعر ابن هانئ الأصغر جمال الربيع:
لعلَّ نسيمَ الروضِ من خَلَلِ الزَّهْرِ
يصافِحُنِي بين الخميلة والنَّهْرِ
فقد شابَ زنجيُّ الدجى حين
أشْرَقَتْ على عَنْبرِ الظلماءِ كافورةُ الفَجْرِ
وسال نَدَى مُزْنٍ على أُقْحُوَانةٍ
كما جال رِيقٌ من حَبيبٍ على ثَغْر
وما لاحَ دُرٌّ فوق وَشْيٍ وإنَّما
ترقرقَ دمعُ الطلِّ في مُقَلِ الزهر
وفوق احمرارِ الوردِ رَشْحٌ كأنَّما
متونُ الخدودِ الحمر طُرِّزْنَ بالعُذْر
فلله روضٌ لَفَّ أَطرافَ دوْحِه
مُلاءةُ نُورٍ حاكها راقمُ القطر
وسندسُ نبتٍ تحت زهرٍ كأنَّه
جناحُ ظلامِ الليل كُلِّلَ بالزهر
وأوراقُ آسٍ زعزعَتْ من غصونها
قدودُ حسانٍ مِسْنَ في حُلَلٍ خُضْرِ
شَموليَّةُ الأَمواهِ معلولةُ الصبا
غُلاَميَّةُ الأعطاف مِسْكيةُ النَّشْرِ
مذانبها زُرْقُ النطافِ كأنَّما
معاطِفُهُنَّ الرُّعْشُ يُهْزَزْنَ من سكر
6. قصيدة “أقول له والدمع مني كأنَّه” للشاعر محمد بن بشير الخارجي راثياً محبوبته:
أَقولُ لَهُ وَالدَمعُ مِنِّي كَأَنَّهُ
جُمانٌ وَهيَ مِن سِلكِهِ مُتَبادِرُ
أَلا أَيُّها الناعي اِبنَ زَينَبَ غُدوَةً
نَعَيتَ النَدى دارَت عَلَيكَ الدَوائِرُ
فَظِلْتُ كأنِّي أغُبِطت بجبَالهَا علي
بأعْلَى المُقْرحين العواقِرُ
لَعَمري لَقَد أَمسى قِرى الضَيف
عاتِماً بِذي الفَرشِ لَمَّا غَيَّبَتكَ المَقابِرُ
إِذا سَوَّفوا نادَوا صَداكَ وَدونَهُ
صَفيحٌ وَخَوَّارٌ مِنَ التُربِ مائِرُ
يُنادونَ مَن أَمسى تَقَطع دونَهُ
مِنَ البُعدِ أَنفاسُ الصَدورِ الزَوافِرُ
فَقومي اِضرِبي عَينَيكِ يا هِندُ
لَن تَرَي أَباً مِثلَهُ تَسمو إِلَيهِ المَفاخِرُ
وَكُنتِ إِذا فاخَرتِ أَسمَيتِ والِداً
يَزينُ كَما زانَ اليَدَينِ الأَساوِرُ
فَإِن تَعوِليهِ تَشفِ يَومَ عَويلِهِ غَليلَكِ
أَو يَعذِركَ بِالنَوحِ عاذِرُ
وَتُحزِنكِ لَيلاتٌ طِوالٌ وَقَد مَضَت
بِذي الفَرشِ لَيلاتٌ تَسُرُّ قَصائِرُ
7. قصيدة “وُلِدَ الهدى فالكائنات ضياء” للشاعر أحمد شوقي واصفاً مولد الرسول صلى الله عليه وسلم:
وُلِد الهدى فالكائنات ضِياءُ
وفم الزمان تبسم وَثَناء
الروح والملأ الملائك حَولَهُ
للدين والدنيا بِهِ بُشَراءُ
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
والمُنتهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا
بالتُّرجمانِ شَذِيَّةٌ غَنَّاءُ
والوحي يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ
واللوح والقلم البَديعُ رُواءُ
نُظِمت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ
فـي اللوح وَاسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ
اسمُ الجلالة في بَديعِ حُروفِهِ
أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ
يا خير مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً
من مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا
يُعدُّ البحر الطويل من أهمِّ بحور الشعر العربيِّ وأكثرها تنوعاً وجمالاً، وتميَّز هذا البحر بقدرته على التعبير عن مختلف المشاعر والأفكار، من الحبِّ والغزل إلى الفخر والرثاء والوصف، وقد نظم كبار الشعراء العرب على مرِّ العصور قصائدَ خالدة في هذا البحر، مثل المتنبي والمعرِّي وأبو تمام وابن الرومي.
لم يقتصر استخدام البحر الطويل على الشعر العربيِّ فقط، بل استخدمه أيضاً شعراء من بلدان أخرى مثل إيران وتركيا، ويُعدُّ البحر الطويل من البحور التي ما تزال تُستخدم حتى اليوم في كتابة الشعر العربي، وهذا يدلُّ على أهميته وجماله وقدرته على التعبير عن مختلف المشاعر والأفكار.
إقرأ أيضاً: من هو أحمد شوقي؟
في الختام:
نُؤكِّد أنَّ البحر الطويل هو بحرٌ غنيٌّ ومتنوِّعٌ، وقد قدَّم لنا إبداعاتٍ شعريةً خالدةً ما تزال تُقرأ وتُتذَوَّق حتى اليوم.