من هو عمر بن أبي ربيعة؟
ظل هذا شائعاً في العصر الإسلامي والأموي في مطالع القصائد، وكان الشاعر يحرص عليه في مطالع قصائد المدح غالباً، وتطور الغزل في العصر الأموي، وظهرت طائفتان من الشعراء، الطائفة الأولى التي اشتهرت بالغزل العذري، أما الطائفة الثانية فقد اشتهرت بأنَّها لم تكتف بمحبوبة واحدة؛ لذلك سميت بطائفة (الحب الماجن)، وربما كان من أشهر شعراء هذه المجموعة الشاعر عمر بن أبي ربيعة، الشاعر الذي سنتحدث عنه في هذا المقال.
نبذة عن عمر بن أبي ربيعة
هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، ولد في المدينة سنة 23 هجرية، وهي السنة التي قتل فيها الخليفة عمر بن الخطاب، فكني لأجل ذلك أبا الخطاب، أبوه عبد الله بن أبي ربيعة، وأمه يمنية تسمى مجداً.
كان عمر بن أبي ربيعة شاعر قريش وفتاها، طارت له شهرة في الغزل، يحسده عليها كثير من الشعراء، واعترف له بالشاعرية كبار الشعراء كالفرزدق وجرير، وجعل من الغزل فناً مستقلاً يعرف به صاحبه بعدما كان غرضاً تابعاً لغيره من الأغراض، أو وسيلة يستغل بها الشعراء قصيدة للوصول إلى غايته.
وقف شعر عمر بن أبي ربيعة على المرأة، فكان أتبع لها من ظلها، لا تروقه إلا في مجلس حب ولهو ومجون، وكان له من مجده وشاعريته وجماله وشبابه وثروته ما سهَّل عليه سبل الملذات، فلها وعبث ما شاء له أن يلهو ويعبث، وما وقعت عينه على حسناء قرشية أو غير قرشية، إلا وتتبع خطاها وشهرها بأشعاره.
كان عمر بن أبي ربيعة موكلاً بالجمال يتبعه، ويصوره في شعره، غير مقتصر على امرأة واحدة، يعشقها ويخصها بقلبه وفنه، فكثرت عنده أسماء النساء، معروفات النسب وغير معروفات، وتزوج أكثر من مرة، وله في كل زواج خبر طريف رواه الأصفهاني في جملة ما روى من أخباره.
ولم تحلُ الحياة الزوجية دون نوازع قلبه بين الحسان ومطاردته لهن في الحج والطواف، والاستئناس بحديثهن في الخلوات والنزهات، حتى بلغ الأربعين فتاب إلى ربه.
حياة عمر بن أبي ربيعة
قيل إنَّ الشاعر عمر بن أبي ربيعة كان رجلاً وسيماً وجميلاً، وكان له جاه ونسب ومكانة في المجتمع، وعاش حياة مرفهة ومدللة، فكان والده من أثرياء قريش وكان يكسو الكعبة في بعض الأعوام.
قبل الإسلام، كان اسم والده بحيرة، ولكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم سماه عبدا لله، وعيَّنه والياً لإحدى ولايات اليمن التي تدعى الجَند، أما والدته، فقد كانت سبية من حضر موت واسمها مجد.
نشأ الشاعر عمر بن أبي ربيعة برعاية أمه، وعمل معها في إدارة أملاك والده وتنظيم شؤونها، ويجدر الذكر أنَّ قضاء عمر بن أبي ربيعة لأغلب وقته مع والدته أتاح له فرصة التعرف إلى النساء ورؤية الجواري بكثرة، أما بالنسبة إلى زواجه، فتزوج كلثوم بنت سعد المخزومية، وأنجب منها ولدين قبل وفاتها، ثم تزوج زينب بنت موسى الجمحية وأنجب منها ابنه بشراً.
عاصر عمر بن أبي ربيعة الفترة الأموية، وقضى معظم حياته يتنقَّل بين مكة والمدينة المنورة، إضافة إلى زياراته المتكررة لليمن والشام والعراق، وتميزت فترة حياته بابتعاده عن الشؤون السياسية، وهذا أدى إلى وجود فراغ سياسي بين الشباب في تلك الحقبة الزمنية، فكانوا يقضون وقتهم في اللهو وحضور جلسات الطرب والغناء.
على نفس النحو، كانت لدى عمر بن أبي ربيعة حياة خالية من القلق والخوف وعدم الأمان، باستثناء فترة نفيه من قبل عمر بن عبد العزيز إلى جزيرة “دهلك” في أثناء توليه حكم مكة.
شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لاتعرفونها عن اللغة العربية
شعر عمر بن أبي ربيعة
لا يتميز شعر عمر بن أبي ربيعة في المرأة عن غيره في ذكر محاسنها الخارجية، فقد وصفها كما وصفها غيره، وأعطاها التشابيه المألوفة في عصره وقبل عصره، ولكنَّه يتميز بإدراك نفسيتها، وتصوير عواطفها وأهوائها والتنبيه لحركاتها وإشاراتها، ومعرفة حديثها وطريقة تعبيرها.
المرأة في شعره ليست شبحاً غامضاً، بل روحاً خافقة الفؤاد، مختلجاً بعناصر الحياة والأسلوب القصصي الغرامي عنده أوسع مما جاء عند أستاذه امرئ القيس، والقصة في شعره مستكملة الهيكل من تمهيد وعقدة وحل طبيعي، ويتخللها حوار ظريف تشترك فيه أشخاصها، وقد وسع الحوار ولم يقصره على شخصين.
أضفى عمر بني أبي ربيعة على شعره وخاصة على غزله كثيراً من خفة الظل والروح، ورقة الطبع، فجاء شعره، رقيقاً عذباً مشبوب العاطفة، حلو الألفاظ، وقد عُرِف عمر بن أبي ربيعة بمنزلته عند الحسان، وهو في شعره معشوق فاستغل تهافتهن عليه مع ما به من زهو وخيلاء، واعتداد بجماله وشبابه، فشبب نفسه، وجعل النساء يطلبنه بدلاً من أن يطلبهن، ويعترفن بإمارته على قلوبهن، وقد تغمزه إحداهن إذا رأته، وتنعته بالقمر ولا تتحرج من دعوته إليها.
لعمر بن أبي ربيعة ديوان شعر طبع في ليبسك 1893، وفي مصر سنة 1893، وفي بيروت سنة 1934.
خصائص شعر عمر ابن أبي ربيعة
- اعتماده على بناء القصائد بأسلوب فريد ومتميز يتميز عن الأساليب التقليدية للشعر.
- يولي اهتماماً كبيراً لترتيب الأبيات بشكل منطقي، ويحرص على تحقيق التناغم بينها.
- يلتزم بشكل كبير بالأسلوب اللغوي، الذي يعد العمود الفقري للشعر بشكل عام.
- يلجأ في بعض الأحيان إلى استخدام أسلوب الحوار أو القصة لجعل قصائده سهلة الفهم وسلسة.
- تتميَّز قصائده بخلوها تماماً من الغموض والتعقيدات اللغوية.
- يحرص على سرد الخيالات بشكل إبداعي ومميز.
- يتجنَّب استخدام الألفاظ الوحشية التي كانت شائعة في العصر الجاهلي.
- ينجح في استخدام الصور الشعرية بألوان متنوعة، ويبتكر صوراً تتناسب مع موضوعات القصائد.
- يتنوع بين الألوان الأدبية والشعر النفسي والاجتماعي والسياسي، وغيرها.
- يعكس اللون الذي يعيشه في فترة إلقاء القصيدة.
- تشتمل قصائده على العديد من الصور الفنية، مثل الاستعارة والكناية والتشبيه وأشكال أخرى من البلاغة.
- ينجح في اختيار الألفاظ التي تعبر عن الحالة الشعورية التي يرغب في توصيلها في قصائده، وهذا يظهر صدق مشاعره وكلماته للقارئ.
- تتميز بعض قصائده بالحس الفكاهي والدعابة، وذلك نتيجة للترف الذي عاشه.
هذه الخصائص جعلت شعر عمر بن أبي ربيعة فريداً ومتميزاً في عصره.
قصيدة عنوان “خدعة” للشاعر عمر بن أبي ربيعة
ألم تسألِ الأطلال والمتربَّعا،
ببطنِ حليَّات، دوارسَ بلقعا
إلى الشري من وادي المغمس بدَّلَت
معالِمَه وبلاً ونكباءَ زعزعا
فيبخلن، أو يخبرن بالعلم، بعدما
نكأنَ فؤاداً كان قدماً مفجَّعا
بهندٍ، وأترابٍ لهندٍ، إذا الهوى
جميعٌ، وإذا لم نخشَ أن يتصدَّعا
وإذا نحن مثل الماءِ، كان مزاجه
كما صفق الساقي الرحيق المشعشعا
نرى في هذه القصيدة استهلالاً تقليدياً لوصف الأطلال، بعدها ينتقل الشاعر إلى غزله برفق دون أن يشعر القارئ.
موت عمر بن أبي ربيعة
اختلفَت الروايات في موت عمر بن أبي ربيعة؛ فبعضها تقول إنَّه توفي بعد أن أصابه غصن شجرة خلال وجوده في الصحراء، في حين تقول رواية أخرى إنَّه استشهد بعد أن احترقت سفينته في معركة بحرية، وتشير روايات أخرى إلى أنَّه توفي بطريقة طبيعية في سن متقدِّمة، عندما بلغ من العمر حوالي سبعين عاماً، في عام 93 للهجرة.
في الختام
هكذا نكون قد أحطنا في نهاية هذا المقال بحياة الشاعر عمر بن أبي ربيعة وشعره الذي تميز كما رأينا برقته وبانتمائه إلى نوع آخر من الغزل يختلف كليا عن الغزل العذري، ولكن رغم ذلك لم يتناول غزله الناحية المادية من المرأة فقط بل أيضاً تناول العاطفة المباشرة، ولكن هذه العاطفة لم تكن لامرأة واحدة بل كانت للنساء جميعاً، فكان قلبه موزعاً.
يُظهِر في قصائده أيضاً بوضوح أنَّه أيضاً كان معشوقاً تطارده النساء لوسامته ومكانته وثروته وشاعريته، وأهم ما ميز شعر عمر بن أبي ربيعة أنَّه لم يكثر من الصور البيانية؛ لأنَّه اهتم بالحوار أكثر من الوصف، وتبقى ميزته الأولى المعاني الجديدة التي جاء بها في غزله.