Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التدريس والتعلم

البحر السريع وأهم القصائد عنه


من بين مئات وآلاف الشعراء والقصائد المنظومة، كانت العامة تسعى إلى سماع كل ما هو فاتن من النظم، وكان سوق عكاظ ومبارزاته الشعرية التي كانت تشعل في النفس مشاعر الانتشاء بسماع القول الجميل، وما المُعلَّقات المكتوبة بماء الذهب على جدران الكعبة، إلا انعكاس لاهتمام العرب بالشعر الفريد والبديع.

الشعر العربي بغناه وتنوعه ليس مجرد نظم عشوائي للمفردات والمعاني، إنَّما له أوزان يستند عليها فيستقيم متنه، وتصعِّد التحدي أمام الشعراء في ضفر المعنى والشعور بكلمات موزونة مقفَّاة، وهذه الأوزان تدعى بحور الشعر، وعددها ستة عشر بحراً، سنتناول الحديث اليوم عن أحدها وهو البحر السريع، فأهلاً بقراءتكم.

ما هي البحور الشعرية؟

قبل أن ندخل في صلب موضوعنا عن البحر السريع وأهم القصائد عنه، لا بدَّ لنا من المرور ولو بشكل سريع على تعريف البحور الشعرية وأنواعها، والتي يصنَّف البحر السريع ضمنها.

البحور الشعرية هي أوزان شعرية مؤلفة من تفعيلات تختلف بين بحر وآخر، ويمكن تعريف الأوزان الشعرية على أنَّها الإيقاعات الموسيقية المتباينة للشعر العربي، وإنَّ أول من وضع البحور الشعرية أو اكتشفها هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، والذي وضع خمسة عشر بحراً شعرياً، ثم قام فيما بعد تلميذه الأخفش بإضافة بحر جديد عليها، وقد استدركه استدراكاً فأسماه البحر المتدارك.

البحور الشعرية التي اكتشفها الفراهيدي هي البحر الطويل، البحر المديد، البحر البسيط، البحر الوافر، البحر الخفيف، البحر الهزج، البحر الرجز، البحر الرمل، البحر المنسرح، البحر المضارع، البحر المقتضب، البحر المجتث، البحر المتقارب، البحر المحدث، والبحر السريع الذي سيكون موضوع مقالنا لهذا اليوم.

لكن قبل البدء بالحديث عنه ننوه أنَّ بحور الفراهيدي استوعبت كل أشعار العرب بتقسيماتها العروضية، ولكنَّه أهمل البحر المتدارك لأنَّه ظنه مهملاً، فقام الأخفش باستدراكه.

البحر السريع:

البحر السريع هو واحد من البحور الشعرية التي اكتشفها الخليل بن أحمد الفراهيدي، ولقد نُظِمَت عليه العديد من القصائد، وكما هو معروف فإنَّ لكل بحر شعري ضوابط وجوازات، وضابط البحر السريع هو “بحرٌ سريعٌ ما لهُ ساحلُ، مستفعلن مستفعلن فاعلن”.

إنَّ الأصل في تفعيلات السريع أن تكون “مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ” لكن التفعيلة الأخيرة أصابها الطي والكسف فأصبحت فاعلن، وكما نرى فإنَّ البحر السريع هو من البحور الثنائية، فبناؤه مرتكز على تفعيلتي “مستفعلن وفاعلن”.

من الجدير بالذكر أنَّ البحر السريع يأتي تاماً أو مشطوراً، ولكنَّه لا يأتي بشكل مجزوء لكيلا يتداخل مع بحر الرجز.

1. جوازات البحر السريع:

جوازات البحر السريع هي التغييرات في تفعيلات البحر السريع التي يُسمَح القيام بها، وفيما يأتي جوازات البحر السريع:

جوازات “مستفعلن” في البحر السريع هي ذاتها في بحر الرجز إذ يجوز أن تأتي:

  • صحيحة “مستفعلن” /٥/٥//٥.
  • مطوية “مسْتَعِلن” /٥///٥.
  • مخبونة “متفعلن” //٥//٥.
  • مخبولة (متَعِلُن) ////٥.

2. عروض البحر السريع:

عروض البحر بشكل عام هي الكلمة الأخيرة في الشطر الأول، أما عن عروض البحر السريع فلقد قلنا إنَّ أصل التفعيلة الأخيرة في البحر السريع أن تكون على وزن “مفعولاتُ”، ولكن قد أصابها الطي والكشف (والذي يسمى الكسف أيضاً) فتحولت إلى “مفْعُلا” وتنقل إلى “فاعلن”.

تأتي عروض السريع مكسوفة مطوية، أي “فاعلن”، ولقد ذكر الزمخشري وغيره من المختصين جواز مجيئها مكسوفة مخبولة، أي على وزن (فعلن) ///٥، وفي مثل هذه الحالة يكون ضربها على وزن فعلن ///٥ أو فعْلن /٥/٥.

3. ضرب البحر السريع:

ضرب البحر بشكل عام هو الكلمة الأخيرة في الشطر الثاني، وبالنسبة إلى ضرب البحر السريع أي الكلمة الأخيرة في شطره الثاني فتكون على الشكل الآتي:

  • مطوي مكسوف: “فاعلن” /٥//٥.
  • أصلم: “مفعو” وتنقل إلى “فعْلن” /٥/٥.
  • مطوي موقوف: “مفْعُلاتْ” /٥//٥٥.
  • مخبول مكسوف: “معلا” وتنقل إلى “فعِلن” ///٥.

لا بد من الإشارة إلى أنَّ جوازات مشطور السريع هي ذاتها جوازات السريع التام.

شاهد بالفديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم

 

أهم قصائد البحر السريع:

تشير بعض المصادر إلى وجود حوالي 5348 منظومة على البحر السريع، ولقد قام بنظمها شعراء كبار معروفون، فهيا بنا نتعرف إلى أهم قصائد البحر السريع:

1. قصيدة امرؤ “القيس يا دار ماوية بالحائل”:

يا دارَ ماوِيَّةَ بِالحائِلِ

فَالسُهبِ فَالخَبتَينِ مِن عاقِلِ

صُمَّ صَداها وَعَفا رَسمُها

وَاِستَعجَمَت عَن مَنطِقِ السائِلِ

قولا لِدودانَ عَبيدِ العَصا

ما غَرَّكُم بِالأَسَدِ الباسِلِ

قَد قَرَّتِ العَينانِ مِن مالِكٍ

وَمِن بَني عَمروٍ وَمِن كاهِلِ

وَمِن بَني غَنمِ بنِ دودانَ إِذ

نَقذِفُ أَعلاهُم عَلى السافِلِ

نَطعنُهُم سُلكى وَمَخلوجَةً 

كَرَّكَ لَأمَينِ عَلى نابِلِ

إِذ هُنَّ أَقساطٌ كَرِجلِ الدَبى

أَو كَقَطا كاظِمَةَ الناهِلِ

حَتَّى تَرَكناهُم لَدى مَعرَكِ

أَرجُلِهِم كَالخَشَبِ الشائِلِ

حَلَّت لِيَ الخَمرُ وَكُنتُ امرَأً

عَن شُربِها في شُغُلٍ شاغِلِ

فَاليَومَ أُسقى غَيرَ مُستَحقِبٍ

إِثماً مِنَ اللَهِ وَلا واغِلِ

2. قصيدة الحارث بن حلزة “يا أيها المزمع ثم انثنى”:

يا أَيُّها المُزمِعُ ثُمَّ اِنثَنى

لا يَثنِكَ الحازي وَلا الشاحِجُ

ولا قَعيدٌ أَغَضَبٌ قَرنُهُ

هاجَ لَهُ مِن مَرتَعٍ هائِجُ

قُلتُ لِعَمرو حينَ أَرسَلتُهُ

وَقَد حَبا مِن دُونِهِ عالِجُ

لا تَكسَعِ الشَولَ بِأَغبارِها

إِنَّكَ لا تَدري مَنِ الناتِجُ

قَد كُنتَ يَوماً تَرتَجي رِسلَها

فَأَطرِد الحائِلُ وَالدالِجُ

رُبَّ عِشارٍ سَوفَ يَغتالُها 

لا مُبطِئُ السَيرَ وَلا عائِجُ

يُطيرُها شَلَّاً إِلى أَهلِهِ

كَما يُطيرُ البَكَرَةَ الفالِجُ

بَينا الفَتى يَسعى وَيُسعى لَهُ

تيحَ لَهُ مِن أَمرِهِ خالِجُ

يَترُكُ ما رَقَّحَ مِن عَيشِهِ

يَعيثُ فيهِ هَمَجٌ هامِجُ

فاصبُب لأَضيافِكَ أَلبانَها 

فَإِنَّ شَرَّ اللَبَنِ الوالِجُ

وَاعلَم بِأَنَّ النَفسَ إِن عُمِّرَت

يَوماً لَها مِن سَنَةٍ لاعِجُ

كَذاكَ لِلإِنسانِ في عَيشِهِ 

غالِيَةٌ قامَ لَها ناشِجُ

3. قصيدة أوس بن حجر “كان بنو الأبرص أقرانكم”:

كانَ بَنو الأَبرَصِ أَقرانَكُم

فَأَدرَكوا الأَحدَثَ وَالأَقدَما

إِذ قالَ عَمروٌ لِبَني مالِكٍ  

لا تَعجَلوا المِرَّةَ أَن تُحكَما

باتوا يُصيبُ القَومُ ضَيفاً لَهُم

حَتَّى إِذا ما لَيلُهُم أَظلَما

قَرَوهُمُ شَهباءَ مَلمومَةً

مِثلَ حَريقِ النارِ أَو أَضرَما

وَاللهِ لَولا قُرزُلٌ إِذ نَجا

لَكانَ مَثوى خَدِّكَ الأَخرَما

نَجَّاكَ جَيَّاشٌ هَزيمٌ كَما

أَحمَيتَ وَسطَ الوَبَرِ المَيسَما

4. قصيدة ابن الفارض “اسم الذي تيمني حبه”:

اسمُ الذي تَيَّمَنِى حُبُّهُ

تصحيفُ طيرٍ وهوَ مقلوبُ

لَيْسَ منَ العُجْمِ ولكِنَّه

إلى اسمهِ في العُرْبِ منسوب

حُرُوفُهُ إنْ حُسِبَتْ مِثْلُها

لِحاسِبِ الجُملِ أَيُّوبُ

إقرأ أيضاً: من هو نزار قباني؟

5. قصيدة المثقب العبدي “هل عند غان لفؤاد”:

هَل عِندَ غانٍ لِفُؤادٍ صَدِ

مِن نَهلَةٍ في اليَومِ أَو في غَدِ

يَجزي بِها الجازونَ عَنِّي وَلَو

يُمنَعُ شُربي لَسَقَتني يَدي

قالَت أَلا لا يُشتَرى ذاكُمُ

إِلَّا بِما شِئنا وَلَم يوجَدِ

إِلَّا بِبَدرَي ذَهَبٍ خالِصٍ

كُلُّ صَباحٍ آخِرَ المُسنَدِ

مِن مالِ مَن يَجبي وَيُجبى لَهُ

سَبعونَ قِنطاراً مِنَ العَسجَدِ

أَو مِئَةٌ تُجعَلُ أَولادُها

لَغواً وَعُرضُ المئةِ الجَلمَدِ

إِذ لَم أَجِد حَبلاً لَهُ مِرَّةٌ    

إذ أَنا بَينَ الخَلِّ وَالأَوبَدِ

حَتَّى تُلوفِيتُ بِلَكِّيَّةٍ

مُعجَمَةِ الحارِكِ وَالموقِدِ

تُعطيكَ مَشياً حَسَناً مَرَّةً

حَثَّكَ بِالمِروَدِ وَالمُحصَدِ

يُنبي تَجاليدي وَأَقتادَها

ناوٍ كَرَأسِ الفَدَّنِ المُؤَيَّدِ

عَرقاءَ وَجناءَ جُمالِيَّةٍ

مُكرَبَةٍ أَرساغُها جَلمَدِ

تَنمي بِنَهَّاضٍ إِلى حارِكٍ

تَمَّ كَرُكنِ الحَجَرِ الأَصلَدِ

كَأَنَّما أَوبُ يَدَيها إِلى

حَيزومِها فَوقَ حَصى الفَدفَدِ

نَوحُ اِبنَةِ الجَونِ عَلى هالِكٍ

تَندُبُهُ رافِعَةَ المِجلَدِ

كَلَّفتُها تَهجيرَ داوِيَّةٍ

مِن بَعدِ شَأوَي لَيلِها الأَبعَدِ

في لاحِبٍ تَعزِفُ جِنَّانُهُ

مُنفَهِقِ القَفرَةِ كَالبُرجُدِ

تَكادُ إِذ حُرِّكَ مِجدافُها

تَنسَلُّ مِن مَثناتِها وَاليَدِ

لا يَرفَعُ السَوطَ لَها راكِبٌ

إِذا المَهارى خَوَّدَت في البَدِ

تَسمَعُ تَعزافاً لَهُ رَنَّةٌ

في باطِنِ الوادي وَفي القَردَدِ

كَأَنَّها أَسفَعُ ذو جُدَّةٍ

يَمسُدُهُ الوَبلُ وَلَيلٌ سَدِ

مُلَمَّعُ الخَدَّينِ قَد أُردِفَت

أَكرُعُهُ بِالزَّمَعِ الأَسَودِ

كَأَنَّما يَنظُرُ في بُرقُعٍ

مِن تَحتِ رَوقٍ سَلِبِ المِذوَدِ

يُصيخُ لِلنَّبأَةِ أَسماعَهُ

إِصاخَةَ النَّاشِدِ لِلمُنشِدِ

ضَمَّ صِماخَيهِ لِنُكرِيَّةٍ

مِن خَشيَةِ القانِصِ وَالمُؤسَدِ

وَانتَصَبَ القَلبُ لِتَقسيمِهِ

أَمراً فَريقَينِ وَلَم يَبلُدِ

يَتبَعُهُ في إِثرِهِ واصِلٌ

مِثلُ رِشاءِ الخُلُبِ الأَجرَدِ

تَنحَسِرُ الغَمرَةُ عَنهُ كَما

يَنحَسِرُ النَجمُ عَنِ الفَرقَدِ

في بَلدةٍ تَعزِفُ جِنَّانُها

فيها خَناطيلُ مِن الرُوَّدِ

قاظَ إِلى العَليا إِلى المُنتهى

مُستَعرِضَ المَغرِبِ لَم يَعضُدِ

فَذاكُمُ شَبَّهتُهُ ناقَتي

مُرتَجِلاً فيها وَلَم أَعتَدِ

بِالمِربأ المَرهوبِ أَعلامُهُ

بِالمُفرِعِ الكاثِبَةِ الأَكبَدِ

باحِرِيُّ الدَمِ مُرٌّ طَعمُهُ

يُبرِئُ الكَلبَ إِذا عَضَّ وَهَر

كُلُّ يَومٍ كان عَنَّا جَلَلاً

غَيرَ يَومِ الحِنوِ في جَنَبي قَطَر

ضَرَبَت دَوسَرُ فينا ضَربَةً

أَثبَتَت أَوتادَ مُلكٍ مُستَقِر

صَبَّحَتنا فَيلَقٌ مَلمومَةٌ

تَمنَعُ الأَعقابَ مِنهُنَّ الأُخَر

فَجَزاهُ اللَهُ مِن ذي نِعمَةٍ

وَجَزاهُ اللَهُ إِن عَبدٌ كَفَر

وَأَقامَ الرَأسَ وَقعٌ صادِقٌ

بعدَ ما صافَ وَفي الخَدِّ صَعَر

وَلَقَد راموا بِسَعيٍ ناقِصٍ

كَي يُزيلوهُ فَأَعيا وَأَبَر

وَلَقَد أَودى بِمَن أَودى بِهِ

عَيشُ دَهرٍ كان حُلواً فَأَمَر

إقرأ أيضاً: معلقة عنترة بن شداد

في الختام:

البحر السريع إذاً هو واحد من البحور الشعرية الخمسة عشر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، ووزنه على شكل “مستفعلن مستفعلن فاعلن، مستفعلن مستفعلن فاعلن”، وكما يتَّضح من اسم هذا البحر نلحظ خفة ورشاقة في وزنه، فنستطيع بذلك قراءة القصائد المنظومة عليه وفق إيقاع سريع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى