التدريس والتعلم

استراتيجيات التعليم الحديثة


منذ بزوغ فجر الحضارة البشرية، لطالما ارتبط التعليم بمساعي الإنسان لنقل المعرفة والثقافة بين الأجيال. وعلى مر العصور، شهدت استراتيجيات التعليم تطوراً وتحولاً ملحوظاً، متواكباً مع التقنيات والتطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وفي هذا السياق، تأتي استراتيجيات التعليم الحديثة كمرحلة تطورية متقدمة، تسعى إلى تحقيق أهداف التعليم بطرق أكثر فعالية وتفاعلية.

في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف، تتحدى استراتيجيات التعلم الحديثة المفاهيم التقليدية للتعليم، فلم تعد تتوقف فقط عند تقديم المحتوى والمعلومات؛ بل تضع الطالب في مركز العملية التعليمية بوصفه شريكاً في بناء المعرفة، ويتم تصميم هذه الاستراتيجيات وتنفيذها وفقاً لأحدث الأبحاث في علم النفس التعليمي وعلم الأعصاب، باستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة، وبالاستناد إلى مبدأ التعلم النشط، لذلك سنتعرف في هذا المقال إلى أهم استراتيجيات التعليم الحديث؛ إذ تتلاقى التقنية والإبداع لتصنع تجارب تعليمية فريدة.

استراتيجيات التعليم الحديثة:

1. استراتيجية تمثيل الأدوار:

استراتيجية مشتقة من علم المسرح الاجتماعي، وتقوم على أساس التعلم عن طريق المواقف التمثيلية؛ إذ يقوم الفرد خلالها بتقمص دور معين داخل موقف محدد ويتناسى شخصيته الحقيقية، وبشكل أوضح، هي أسلوب تعليمي يشمل تجسيد الطلاب لشخصيات معينة أو أدوار معينة لتعزيز فهمهم لمفاهيم معينة أو مواقف محددة.

تهدف استراتيجية تمثيل الأدوار إلى تنمية البعد الاجتماعي لدى المتعلمين، وزيادة قدراتهم على تحليل المواقف الاجتماعية ومقارنتها، ومساعدتهم على اكتشاف الحقيقة بأنفسهم وترسيخ الخبرات التي يحصلون عليها (التعلم للحياة)، وزيادة ثقة المتعلمين بأنفسهم، وزيادة اعتمادهم على أنفسهم، إضافة إلى مساعدة المعلم على تحديد نقاط القوة والضعف في شخصية كل متعلم، ومن ثمَّ تقديم المساعدة المناسبة له.

تنسجم هذه الاستراتيجية مع مبدأ التعلم عن طريق العمل والتجربة والخبرة؛ إذ تتركز على جعل المتعلم محور العملية التعليمية، ويمكن استخدامها من أجل فهم الظواهر الأكثر تعقيداً في الأدب والدراسات الاجتماعية وموضوعات العلوم والرياضيات.

يمكن للمعلم اتباع الخطوات الآتية لتنفيذ استراتيجية تمثيل الأدوار:

  • تحديد الهدف: حدد الهدف الذي تريد تحقيقه من خلال تأدية الأدوار، هل ترغب في توضيح مفهوم معين؟ أم تعزيز مهارات تفاعلية معينة؟
  • اختيار الموضوع: اختر موضوعاً يمكن تجسيده من خلال تأدية الأدوار، فقد يكون ذلك موضوعاً دراسياً، أو مشكلة اجتماعية، أو موقفاً مهنياً، أو حتى حدثاً تاريخياً.
  • تحضير السيناريو: أنشئ سيناريو للموقف الذي سيتم تجسيده، وقد يشمل ذلك الأدوار المشاركة والأهداف التي يجب على الطلاب تحقيقها من خلال تجسيد هذه الأدوار.
  • توزيع الأدوار: قسِّم الطلاب إلى مجموعات وقسِّم لهم أدواراً مختلفة وفقاً للسيناريو، وتأكد من توزيع الأدوار بطريقة تساهم في تحقيق الأهداف التعليمية.
  • التحضير والبحث: يجب أن يقوم كل طالب بالتحضير لأداء دوره، وقد يتضمن ذلك قراءة وبحثاً عن الدور المختار والموضوع المرتبط به، فيجب على المعلم توجيه تلاميذه لقراءة المطلوب.
  • التجسيد والتفاعل: دع الطلاب يجسدون الأدوار ويشاركون في الموقف المعين، فيجب أن يتفاعلوا مع بعضهم بعضاً تحت الأدوار التي يمثلونها.
  • مناقشة ما تعلَّموه: بعد انتهاء تجسيد الأدوار، قم بجلسة مناقشة مع الطلاب عن التجربة والدروس المستفادة والتحديات التي واجهوها.
  • التحليل والتقييم: ساعد الطلاب على تحليل النقاط الرئيسة التي تم تجسيدها خلال اللعبة، وكيف يمكن تطبيقها في الواقع.
  • تقييم التجربة: قيِّم كيف تأثر الطلاب بالتجربة وما إذا كانت تحقق الأهداف التعليمية المحددة.

2. الاستراتيجية الحوارية:

تُنسَب هذه الطريقة إلى الفيلسوف اليوناني “سقراط”، وهي عبارة عن نشاطات تعليمية تقوم على الحوار والمناقشة وتبادل الأسئلة والإجابات بين المعلم والمتعلم، وتهدف هذه الطريقة إلى تعليم المتعلم كيف يفكر؛ إذ يقوم المعلم بإثارة الشك بشأن موضوع معين، ومن ثم توجيه أسئلة وتوليد الأفكار والحصول على الإجابات حتى انتهاء الشك لدى الطالب والوصول إلى اليقين، وإليك الخطوات الصحيحة لتطبيق هذه الاستراتيجية التعليمية:

  • اختيار الموضوع: اختر موضوعاً مناسباً للحوار وحضِّر المعلومات والمصادر المتعلقة به.
  • توجيه السؤال الافتتاحي: اطرح سؤالاً افتتاحياً يثير اهتمام الطلاب ويشجعهم على التفكير.
  • تشجيع المشاركة: أعطِ للطلاب الفرصة للمشاركة والتعبير عن آرائهم.
  • الاستماع: استمع بعناية لما يقوله الطلاب وحاول فهم وتقدير وجهات نظرهم.
  • تشجيع التفاعل: حفز الطلاب على الرد على أفكار زملائهم وتبادل الآراء.
  • التوجيه والتلخيص: لخِّص النقاط الرئيسة والمفاهيم الهامة التي طُرِحَت خلال الحوار.
  • التحليل والتفسير: قدِّم تفسيراً للمفاهيم والأفكار المطروحة واربطها بالموضوع العام.
  • تشجيع التفكير النقدي: دع الطلاب يتساءلون ويتحدثون عن تطبيقات واقعية وتحديات تواجه المفاهيم.
  • تقييم الحوار: قيِّم كيفية تقدُّم الحوار ومدى تحقيقه لأهداف التعلم المرجوة.

3. الاستراتيجية الاستقصائية:

هي أسلوب تعليمي يقوم على تحديد التلاميذ والمعلم موضوعاً يرتبط بالمنهج الدراسي، ويضعون خطة للبحث والاستقصاء عنه في المراجع والأبحاث والمصادر، وتُستخدَم هذه الطريقة عند تقديم مادة تعليمية غير مكتملة ويتم تشجيع الطلاب من أجل تنظيمها واكتشاف العلاقة بين المعلومات، ويقتصر دور المعلم على الحد الأدنى من التوجيه.

  • اختر موضوعاً يثير اهتمام الطلاب ويمكن استقصاؤه بشكل مناسب.
  • ساعد الطلاب على صياغة أسئلة استقصائية تستند إلى الموضوع.
  • دع الطلاب يقومون بجمع المعلومات من مصادر متعددة مثل الكتب، والمقالات، والمواقع الإلكترونية، والمقابلات، والموارد الأخرى.
  • ساعد الطلاب على تحليل وتقييم المعلومات التي جمعوها وتحديد مدى موثوقيتها وصحتها.
  • قدِّم إرشادات لكيفية تنظيم المعلومات وإعداد تقارير أو عروض تقديمية.
  • دع الطلاب يشاركون نتائج أبحاثهم مع زملائهم، ويناقشون ما توصلوا إليه وآراءهم.
  • اطرح تساؤلات تحفز على التفكير النقدي بشأن المعلومات والنتائج.
  • اطلب من الطلاب تلخيص ما تعلَّموه واستنتاجاتهم من خلال الاستقصاء، ومن ثمَّ قيِّم العملية وإن استطاعت تحقيق الأهداف التعليمية التي وُضِعت من أجلها.

شاهد بالفيديو: أفضل 8 استراتيجيات تعلم نشط للناس المشغولين

 

4. استراتيجية التدريس المصغر:

عبارة عن موقف تعليمي بسيط من حيث الزمن والمحتوى وعدد المتعلمين، يهدف إلى تدريب المعلم على مهارة أو مهارتين حتى الإتقان، بمعنى أنَّها أسلوب تعليمي يُستخدَم لتدريب المعلمين أو المدرسين على تحسين مهاراتهم التدريسية من خلال تقديم جلسات تدريس قصيرة ومصغرة.

يتم تسجيل أو ملاحظة أداء المعلم في هذه الجلسات، ومن ثمَّ يتم تقديم تقييم وتغذية راجعة تهدف إلى تحسين وتطوير أسلوبهم في التدريس، وقد يستخدمها المعلم مع تلاميذه عند رغبته بتدريبهم على مهارة محددة، وتتم وفق الخطوات الآتية:

  • تحديد المهارة التدريسية التي ترغب في تدريب التلاميذ عليها.
  • اختيار موضوع أو محتوى دراسي مناسب، وتصميم جلسة تدريس قصيرة تستغرق عادةً من 5 إلى 15 دقيقة على الأكثر.
  • تجهيز المواد والوسائل التعليمية التي ستستخدمها في أثناء الجلسة التدريسية.
  • تقديم الدرس المصغر للطلاب بين 5 إلى 10 طلاب.
  • تقييم أداء الطلاب وتحديد مواطن القوة والضعف وتقديم الاقتراحات لتحسين مهاراتهم.

5. استراتيجية التعليم التعاوني:

أسلوب يقوم على إنشاء مجموعة صغيرة من الطلاب وكل جماعة تتضمن طلاباً مختلفين في مستوى التحصيل والخبرات والقدرات، وكل عضو في المجموعة لا يكون مسؤولاً فقط عن تعلُّمه؛ بل أيضاً عن تعلُّم باقي أعضاء المجموعة، وإليك خطوات تنفيذ هذه الاستراتيجية:

  • تحديد الجماعات: قسِّم الطلاب إلى مجموعات صغيرة تضم أعضاء غير متجانسين من النواحي التحصيلية والاجتماعية.
  • تحديد الأدوار: حدد أدواراً لكل عضو في المجموعة.
  • توجيه المهمة: قدِّم المهمة أو الموضوع الذي سيتم مناقشته أو تنفيذه بالتعاون.
  • التعاون والتفاعل: دع الطلاب يعملون معاً على إنجاز المهمة بمشاركة الأفكار وتبادل المعلومات والتجارب.
  • المراجعة والتقييم: قدِّم فرصة للمجموعات لمراجعة وتقييم أعمالهم والتأكد من تحقيق الأهداف.
  • العرض الجماعي: دع المجموعات يقدِّمون نتائجهم أمام الصف بشكل جماعي، فهذا يمكِّنهم من تبادل ما تعلَّموه واستعراض ما أنجزوه.
  • التقييم الذاتي: اطلب من الطلاب تقييم أداء مجموعاتهم وأدائهم الشخصي في عملية التعاون.
  • التعزيز والتحفيز: شجع المجموعات والأفراد على جهودهم وتعاونهم.

6. استراتيجية العصف الذهني:

هي استراتيجية تفكير جماعي تهدف إلى جمع أكبر عدد ممكن من الأفكار والمقترحات بشكل سريع ومفتوح، وتقوم على وضع الذهن في حالة من الإثارة للتفكير في جميع الاتجاهات وتوليد عدد كبير من الأفكار الجديدة والمتنوعة، وفيما يأتي خطوات تنفيذ هذه الاستراتيجية:

  • تحديد موضوع معين أو سؤال يحتاج إلى جمع الأفكار عنه.
  • تقديم شرح للطلاب عن طريقة العصف الذهني وما هو الهدف منها، وكيفية تنفيذها.
  • التأكد من أنَّ الطلاب في بيئة تشجع على التفكير الحر والتعبير دون خوف من الانتقاد.
  • الطلب من الطلاب التفكير في الأفكار والمقترحات المتعلقة بالموضوع لفترة محددة (مثلاً 5-15 دقائق).
  • جمع الأفكار من الطلاب دون التدخل فيها أو تقييمها، وقد يتم ذلك عبر مشاركة شفهية أو كتابة على لوح أو ورقة.
  • تقديم الأفكار المجمَّعة بشكل واضح ومبسَّط لضمان فهم الجميع.
  • متابعة المناقشة المتعلقة بمزايا وعيوب كل فكرة وكيفية تطبيقها.
  • اختيار الأفكار الأكثر ملاءمة أو واقعية للتنفيذ أو لمواصلة البحث عنها.
  • تقديم تقرير أو عرض عن نتائج العصف الذهني والأفكار المختارة.

7. استراتيجية حل المشكلات:

استراتيجية نشطة تعمل على إعمال العقل واحترام الفكر، وتشجع العمل الجماعي وفِرق العمل، وتبعد الطلاب عن التهميش، وتقوم هذه الاستراتيجية على مجموعة من العمليات التي يستخدم فيها الطالب المعلومات والخبرات والطرائق التي يعرفها في حل مشكلة جديدة، وفيما يأتي خطوات تنفيذ هذه الاستراتيجية:

  • الشعور بالمشكلة: يبدأ الطلاب بالاستشعار بوجود مشكلة، وقد يكون ذلك من خلال تجربة عملية أو اكتشاف تحدٍ يتعين عليهم مواجهته، وتهدف هذه الخطوة إلى تنشيط وعي الطلاب بالمشكلة المحددة.
  • تحديد المشكلة: يقوم الطلاب بتحديد المشكلة بشكل واضح ودقيق.
  • جمع البيانات المرتبطة بالمشكلة: يقوم الطلاب بجمع مزيد من المعلومات والبيانات المتعلقة بالمشكلة، وهذا يشمل جمع الحقائق، والأدلة، والمعلومات الهامة التي قد تساعد على فهم السياق والأسباب والعوامل المؤثرة في المشكلة.
  • تحليل المشكلة: يحدد الطلاب عناصر المشكلة الأساسية، ويتم استبعاد العناصر التي لا علاقة لها بالمشكلة.
  • اقتراح الحلول: بعد جمع البيانات، يقوم الطلاب بتوليد أفكار مختلفة لحل المشكلة.
  • دراسة الحلول: يتم فحص وتقييم الحلول المقترحة بناءً على معايير محددة، ويتم تحليل كل حل من حيث الفاعلية المحتملة، والواقعية، والتكلفة، والتأثير في الجوانب المختلفة.
  • اختيار الحل الأنسب: يقوم الطلاب بتحديد الحل الذي يعدُّونه الأنسب والأكثر توافقاً مع متطلبات المشكلة، فالهدف هو اختيار الحل الذي يبدو أنَّه يقدِّم أفضل نتائج ممكنة.

في الختام:

لقد شهد عالم التعليم تحولات جذرية تجاه منهجيات وأساليب التدريس، فقد برزت في الحقل التربوي استراتيجيات تدريس حديثة تعزز من تجربة التعلم وتفعِّل تفاعل الطلاب مع المعرفة، فلم تعد القاعات الدراسية مقتصرة على الدروس المغلقة والمحاضرات التقليدية فحسب؛ بل أصبحت ورش العمل والمناقشات الجماعية وحل المشكلات بطرائق إبداعية جزءاً أساسياً من العملية التعليمية.

لقد أصبح الطلاب بفضل هذه الاستراتيجيات محور العملية التعليمة؛ إذ أسهمت هذه الاستراتيجيات في توسيع آفاق التعلم، وتحفيز التفكير النقدي والإبداع، وتعزيز التعاون والمشاركة الفعالة، ومع استمرار تطوير هذه الاستراتيجيات وتكاملها مع التكنولوجيا والابتكار، قد نتوقع مستقبلاً مشرقاً لعالم التعليم؛ إذ يكون الطلاب هم القوة الدافعة والشريك الفعال في رحلتهم نحو الإلمام والنجاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى