من هو أبو فراس الحمداني؟ نسبه وحياته وشعره

يمكننا القول إنَّ الشعر العربي القديم خاصة هو مصدر هام من مصادر الحكمة والمعرفة والفكر، وذلك ما يجعلنا نهتم بالشعراء في كل زمان، ونبحث عن الأحداث التي مروا بها والمواقف الهامة التي تعرضوا لها، لنتعرف من خلالها إلى الأسباب التي حرَّضت الشاعر على كتابة الشعر، وخاصة إن كان الشاعر من الشخصيات المشهورة في عصره مثل أبي فراس الحمداني، الذي كان لوجوده أهمية كبيرة في حياة الدولة الحمدانية، ومقالنا الحالي سيعرفك بكثير من المعلومات عن حياة أبي فراس الحمداني وشعره، فتابع القراءة.
نبذة عن أبي فراس الحمداني:
هو الحارث بن سعيد حمدان الحمداني التغلبي ابن عم سيف الدولة الحمداني، ولُقِّب بأبي فراس، وُلد في الموصل في العراق عام 932 ميلادية الموافق لسنة 320 هجرية، وكان ذلك في زمن الخلافة العباسية.
كان والده أميراً من أمراء بني حمدان، ووالدته كانت رومية، ويقال عنها إنَّها كانت سبية حرب، وتم اغتيال والده على يد ابن أخيه وهو في عمر الثالثة فقط، فعاش أبو فراس يتيماً، وربَّته والدته ورعاه سيف الدولة الحمداني واهتم بأموره، وكان حينها سيف الدولة حاكماً في بلاد الشام.
حياة أبي فراس الحمداني:
نشأ أبو فراس في كنف سيف الدولة الحمداني، فأصبح فارساً شجاعاً وتمتع بصفات الفرسان من بنية جسدية قوية، كما أنَّه صاحب قامة طويلة، فبدت عليه دلائل القوة بوضوح، إضافة إلى كونه ذكياً وصاحب أخلاق رفيعة، فافتخر أبو فراس بنفسه وشجاعته دائماً، وذلك ما جعله يصعد درجات المجد.
حين استولى سيف الدولة على حلب اصطحبه معه وأحضر له معلمين لتعليمه العلوم الفكرية والأدبية، وبشكل عام كانت حلب حينها تمتاز بكونها بيئة راقية من أفضل البيئات الإسلامية، فانعكس ذلك على أبي فراس ليتميز بأفضل الصفات والأخلاق.
كثرت الغزوات في زمن أبي فراس بين الحمدانيين والروم، وتسبب ذلك في وقوعه في الأسر مرة عام 347 هجري الموافق لعام 959 ميلادي، وحينها أخذه الروم إلى حصن منيع في خرشنة على الفرات، وفُكَّ أسره عن طريق دفع فدية من قبل سيف الدولة، ويقال أيضاً إنَّه هرب بحسب بعض المؤرخين.
الهام في الأمر أنَّ سيف الدولة ولَّاه على منبج وما يحيط بها من قلاع بعد خروجه من السجن، وكان حينها أبو فراس في سن 16 سنة، وكان ذلك نتيجة الذكاء والفطنة التي تمتع بها وميَّزته عن أبناء جيله، إضافة إلى الشجاعة والإقدام وتحمل المسؤولية، فكان أول المشاركين في المعارك التي حدثت، مهما بلغت شدتها لم يخف أو يتراجع يوماً.
في المرة الثانية أسره الروم حين أخذوا منبج عام 350 هجري الموافق لعام 962 ميلادي، ولكن هذه المرة أخذوه إلى القسطنطينية وأسروه مدة أربع سنوات، نظم فيها أبو فراس أجمل القصائد، والتي سميت “الروميات”، والتي عبر فيها عن عتبه على ابن عمه سيف الدولة الذي تأخَّر في فك أسره، فلم يعلم حينها أبو فراس ما حل بالإمارة والمصاعب التي تعيشها الدولة الحمدانية، والتي جعلت سيف الدولة يتأخر في فك أسره ريثما استعاد سيف الدولة قوته وافتدى الأسرى جميعهم ومن بينهم أبو فراس الحمداني.
تعددت الروايات بشأن تأخُّر سيف الدولة، فمنهم من قال بسبب الفدية الكبيرة والتي لم يتمكن من دفعها فوراً، ومنهم من يقول إنَّ السبب هو شرط سيف الدولة بأن يكون الفداء عامَّاً يشمل الجميع، ومنهم من يقول إنَّ السبب هو تخوُّف سيف الدولة من انقلاب أبي فراس عليه، لذلك سيف الدولة جفاه نتيجة وشاية المقربين منه فتركه في الأسر إلى أن أرسل إليه أبو فراس قصيدته الشهيرة:
أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ
وَلَكِنَّ مِثلي لا يُذاعُ لَهُ سِرُّ
إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى
وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ
تَكادُ تُضيءُ النارُ بَينَ جَوانِحي
إِذا هِيَ أَذكَتها الصَبابَةُ وَالفِكرُ
مُعَلِّلَتي بِالوَصلِ وَالمَوتُ دونَهُ
إِذا مِتَّ ظَمآناً فَلا نَزَلَ القَطرُ
بعد خروج أبي فراس من الأسر تولى حمص واستمر ذلك حتى وفاة سيف الدولة.
شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
شعر أبي فراس الحمداني:
لم يعتنِ أبو فراس بشعره كثيراً، فلم يجمعه أو ينقحه، إنَّما قام بذلك أستاذه ابن خاويه، الذي طلب منه أبو فراس عدم نشره، ويقال إنَّ السبب في عدم نيل شعر أبي فراس الحمداني الشهرة التي يستحقها هو المتنبي الذي عاصره وكان من حاشية سيف الدولة الحمداني، فقد نشأت بينهما رابطة ودية قوية جعلت صيت المتنبي يطغى على غيره من الشعراء ومنهم أبو فراس الحمداني.
لولا ابن خاويه الذي جمع شعره ثم تألم على موته وأخذ على عاتقه مهمة شعر أبي فراس الحمداني لما كنا سمعنا كثيراً من شعره في زمننا الحالي، أما الأغراض الشعرية في شعر أبي فراس الحمداني متنوعة، وأبرزها ما يأتي:
1. الفخر:
منها قصائد تفخر بشجاعته وصفاته، وقد قال في ذلك مثلاً:
أَسِرتُ وَما صَحبي بِعُزلٍ لَدى الوَغى
وَلا فَرَسي مُهرٌ وَلا رَبُّهُ غَمرُ
وَلَكِن إِذا حُمَّ القَضاءُ عَلى اِمرِئٍ
فَلَيسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ وَلا بَحرُ
وَقالَ أُصَيحابي الفِرارُ أَوِ الرَدى
فَقُلتُ هُما أَمرانِ أَحلاهُما مُرُّ
أيضاً كتب شعراً مفتخراً بقبيلته تغلب، ومثال عن ذلك الأبيات الآتية:
فَإِن تَمضِ أَشياخي فَلَم يَمضِ مَجدَها
وَلا دَثَرَت تِلكَ العُلى وَالمَآثِرُ
نَشيدُ كَما شادوا وَنَبني كَما بَنَوا
لَنا شَرَفٌ ماضٍ وَآخَرُ حاضِرُ
فَفينا لِدينِ اللَهِ عِزٌّ وَمَنعَةٌ
وَفينا لِدينِ اللَهِ سَيفٌ وَناصِرُ
2. الرثاء:
لم يرثِ أبو فراس كثيراً من الأشخاص، فاقتصر ذلك على أمه وأخته وابن أخته وبعض من الأقارب مثل أخت سيف الدولة، ومثال عن رثاء أبي فراس ما يأتي:
أَيا أُمَّ الأَسيرِ سَقاكِ غَيثٌ
بِكُرهٍ مِنكِ ما لَقِيَ الأَسيرُ
أَيا أُمَّ الأَسيرِ سَقاكِ غَيثٌ
تَحَيَّرَ لايُقيمُ وَلا يَسيرُ
أَيا أُمَّ الأَسيرِ سَقاكِ غَيثٌ
إِلى مَن بِالفِدا يَأتي البَشيرُ
أَيا أُمَّ الأَسيرِ لِمَن تُرَبّى
وَقَد مُتِّ الذَوائِبَ وَالشُعورُ
إِذا اِبنُكِ سارَ في بَرٍّ وَبَحرٍ
فَمَن يَدعو لَهُ أَو يَستَجيرُ
3. العتاب:
كتب أبو فراس الحمداني شعر العتاب الذي وجهه إلى سيف الدولة عندما خاب أمله به، وتُصنَّف تلك الأبيات من العتاب الراقي، فقد حملت التقدير والوفاء لسيف الدولة بالرغم من حزن أبي فراس، ومنها ما يأتي:
أَيا عاتِباً لا أَحمِلُ الدَهرَ عَتبَهُ
عَلَيَّ وَلا عِندي لِأَنعُمِهِ جَحدُ
سَأَسكُتُ إِجلالاً لِعِلمِكَ أَنَّني
إِذا لَم تَكُن خَصمي لِيَ الحُجَجُ اللُدُّ
أيضاً من شعر أبي فراس في العتاب ما قاله في عتاب جنده بعد مخالفته خطته، فكانت النتيجة الهزيمة في المعركة:
كَيفَ أَرجو الصَلاحَ مِن أَمرِ قَومٍ
ضَيَّعوا الحَزمَ فيهِ أَيُّ ضَياعِ
فَمُطاعُ المَقالِ غَيرُ سَديدٍ
وَسَديدُ المَقالِ غَيرُ مُطاعِ
4. الحب:
أيضاً كتب أبو فراس قصائد في الحب، ومنها الأبيات الآتية:
أبيتُ كأنِّي للصبابةِ صاحبُ
وللنومِ مُذ بانَ الخليطُ مجانبُ
وما أدَّعي أنَّ الخطوبَ تخيفني
لقد خبَّرتني بالفراقِ النوائبُ
ولكنَّني ما زلتُ أرجو وأتَّقي
وجد وشيك البينِ والقلبُ لاعبُ
وما هذه في الحبِّ أولُ مرةٍ
أساءتُ إلى قلبي الظنون الكواذبُ
خصائص شعر أبي فراس الحمداني:
تميز شعر أبي فراس الحمداني بعدة خصائص، وأبرزها ما يأتي:
- لم يبالغ أبو فراس في التفجع إنَّما تحدث عن الحكمة وفلسفة الحياة ليخفف عن صاحب المصيبة.
- تميز شعر الغزل بالعاطفة الحارة والمشاعر الصادقة وبالاستمرار في نهج من سبقه من الشعراء، فقد وقف على الأطلال واستخدم التشبيهات.
- افتخر أبو فراس في شعره بنسبه وأهله وعشيرته، كما افتخر بنفسه، وميز فخره الرقة، فعادة يكون الفخر ثقيلاً على السمع في شعر غيره من الشعراء إلا أنَّه في شعر أبي فراس الحمداني شديد العذوبة واللطافة.
- تتميز الروميات بوضوح مشاعر الحزن والألم وبالحنين والشوق لأهله وخاصة والدته، كما ظهر عتبه على سيف الدولة واضحاً، فكان الألم هو مصدر الإلهام لكتابة الروميات.
- يتميز شعر أبي فراس بأنَّه دقيق وبليغ جداً.
- استخدام أبو فراس الحمداني الألفاظ السلسة والمعاني الجسيمة، وابتعد ابتعاداً كبيراً عن التملق أو المجاملة أو الابتذال.
إقرأ أيضاً: أشهر شعراء الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين
وفاة أبي فراس الحمداني:
عاش أبو فراس الحمداني حياته فارساً ومقاتلاً شجاعاً، وبالرغم من صغر سنه إلا أنَّه عاش أحداثاً كبيرة، وبعد خروجه من الأسر في المرة الثانية عاش عاماً واحداً فقط، فقُدِّر له الموت في إحدى المعارك، وكان حينها في عمر سبعة وثلاثين عاماً فقط، فقد ترجل الفارس عن حصانه في ريعان شبابه.
يقال إنَّ السبب في المعركة التي تسببت في وفاته هو استيلاء أبي فراس الحمداني على حمص، وحين وفاة سيف الدولة الحمداني وأصبح حينها حاجبه وصياً على ابنه أبي المعالي، فقام الحاجب بالوشاية على أبي فراس، وتسبب ذلك بتسيير جيش إلى أبي فراس بغاية قتله.
في الختام:
أبو فراس الحمداني شاعرٌ من العصر العباسي، وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني وقد نشأ في رعايته وحصل على العلم وتعلم الفروسية، فكان فارساً شجاعاً مميزاً في عصره، وحارب إلى جانب ابن عمه فشهد كثيراً من المعارك، ووقع في الأسر مرتين فكتب في المرة الثانية أجمل القصائد والتي عُرِفَت بالروميات.
كما تعددت الأغراض الشعرية في شعر أبي فراس الحمداني، منها الفخر بنفسه وبقومه ومنها الرثاء ومنها الحب، وقد ذكرنا في مقالنا أمثلة من قصائده، أما وفاة أبي فراس الحمداني فكانت في إحدى المعارك التي خاضها وكان حينها في ريعان شبابه.