من هم أشهر شعراء العصر العباسي؟ تعرف على نبذة عن حياتهم وأشعارهم

نتيجة الأشغال الكثيرة التي اهتم بها الناس إضافة إلى انتشار الغناء؛ أصبح شعراء العصر العباسي يميلون إلى كتابة المقطوعات الصغيرة بعيداً عن القصائد الطويلة كما عُرِفت سابقاً، فقد تحرر كثيرون منهم من القيود والقوالب التي تميز بها الشعر سابقاً، واهتم الأمراء والسلاطين والحكام في العصر العباسي بالشعراء، وجعلوا قصورهم منابر لهم لإلقاء الشعر.
كل ذلك ساعد على انتشاره وعلى ظهور كثير من الشعراء، فمنهم حاول أن يكتب الشعر فقط لأسباب مادية؛ لأنَّ الحكام حينها قدموا العطايا والأموال الكثيرة للشعراء المادحين لهم، وكان المدح حينها من أهم أغراض الشعر إلى جانب الغزل والرثاء.
مقالنا اليوم سيعرِّفك إلى مجموعة من أهم شعراء العصر العباسي، متضمناً معلومات هامة عنهم وخاصة مَن استمرت شهرتهم حتى وقتنا الحالي، لذلك تابع قراءة المقال.
أشهر شعراء العصر العباسي:
اشتهر الشعر في العصر العباسي، وبرزت أسماء لامعة أضاءت سماء الأدب العربي بأشعارها الخالدة. ونذكر من بين أشهر شعراء العصر العباسي:
1. المتنبي:
إنَّه أحد أهم شعراء العصر العباسي، فمَن مِنَّا لا يعرف البيت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني | والسيف والرمح والقرطاس والقلم |
هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي، أما اسمه “المتنبي” فهو لقب أُطلِقَ عليه لأنَّه ادعى النبوة، وولد في العراق في الكوفة وذلك في عام 303 هجرية، ولا يعد فقط من أهم شعراء العصر العباسي، بل من أهم شعراء العرب إجمالاً.
بدأ المتنبي الكتابة في سنِّ التاسعة من عمره متأثراً بالنمط الكلاسيكي، فقد امتاز بأنَّه شعلة من الذكاء، فلم يكن شاعراً فحسب إنَّما تميز بالفخر والفصاحة والبلاغة التي تتجاوز ما يملكه غيره، فعُدَّ نادرة زمانه، وعُرِف بمدحه للأمراء والسلاطين وحصوله في المقابل على الهدايا الثمينة.
لكن نتيجة تلك الموهبة قُتل المتنبي، فقد كتب قصيدة أهان فيها رجلاً يُدعى ضبة الأسدي، فاعترض طريقه بالقرب من بغداد ولم يهرب المتنبي لأنَّ خادمه ذكَّرَه بقصيدة له تتحدث عن الشجاعة، فقاتل وتوفي مع رفاقه، وبلغت قصائده تقريباً 326 قصيدة تضمنت قسماً كبيراً من أحداث حياته.
2. أبو فراس الحمداني:
هو الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الذي ولد في سنة 320 هجرية ونشأ تحت رعاية الأمير سيف الدولة ابن عمه لأنَّه فقد والده حين كان في الثالثة من عمره، أجاد الرماية والفروسية، كما أجاد الشعر فعُدَّ من أهم شعراء العصر العباسي.
تضمَّن شعره صدق العاطفة بعيداً عن المجاملة والمدح بهدف كسب المال، كما أنَّ حياته العسكرية والسياسية كانت حافلة، فقد وقف إلى جانب ابن عمه ضد الروم ووقع في الأسر مرتين، أما نقطة التحول في حياته أنَّ ابن عمه ولَّاه على منبج وما حولها في سن 16عام لما عرف عنه من حكمة وذكاء.
أما وفاته فكانت عام 357 هجرية، وترك أبو فراس الحمداني حوالي 70 نصاً شعرياً، منها “الروميات” وهي القصائد التي كتبها خلال فترة أسره لدى الروم، وبشكل عام تميزت قصائده بالجزالة والقوة والرصانة.
3. أبو العلاء المعري:
شاعر من شعراء العصر العباسي المميزين، فهو فيلسوف وكاتب كفيف نتيجة إصابته بالجدري في الثالثة من عمره، وهو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان ولد في 363 هجرية في معرة النعمان في سوريا لدى أسرة مرموقة في قبيلة يصل نسبها إلى يعرب بن قحطان، التي أدت دوراً في حروب المسلمين وفتوحاتهم.
لم يمنعه الوضع الصحي من طلب العلم، فقد تحدى الظروف الصعبة وانصرف للدراسة في الأدب واللغة وقراءة القرآن وعلوم النحو، فأرسله والده إلى حلب ثم انطلق إلى الشام وطرابلس ووصل أنطاكية، وروي عنه أنَّ بعض أهل حلب سمعوا عن ذكائه منذ صغر سنه فامتحنوه بأن قال كل منهم بيتاً وردَّ أبو العلاء على كل بيت ببيت مما حفظه على قافيته حتى نفذ ما حفظوه، وعندما أنشدوا أبياتاً من نظمهم أيضاً أجاب بأبيات من نظمه حتى خسر الجميع أمامه.
شارك أيضاً في المعارك بين العرب والروم من خلال تسجيل الأحداث في قصائده، وترك أبو العلاء تراثاً هاماً من الفلسفة والشعر والأدب، من أهمها رسالة الغفران واللزوميات والغايات.
4. ابن الرومي:
أحد شعراء العصر العباسي الذي عاصر ثمانية عصور من الخلفاء العباسيين، وفي كل مرة كان منبوذاً من الحكماء، فقد هجا الجميع، وهو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج ولد في بغداد عام 221 هجرية من أصل رومي من جهة والده ومن أصل فارسي من جهة والدته.
كان مولعاً بالعلم والأدب واهتم بالفلسفة، ولكنَّ حياته شهدت كثيراً من المحن، فقد توفي والديه وأخيه ثم زوجته وأولاده الثلاثة، ونتيجة طباعه الحادة كان مكروهاً من قبل الناس، وخرج بقصائد حزينة لأنَّه أفرغ حزنه في كتابة الشعر، ولكنَّه أبدع أيضاً في قصائد الفخر والمدح ووصف الطبيعة.
أما وفاته فكانت في 238 هجرية نتيجة سُمٍّ دُسَّ إليه في الحلوى من قبل وزير المعتضد القاسم بن وهب خوفاً من هجائه.
5. البحتري:
هو أبو الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، ولد في 206 هجرية في منبج في سوريا، ولُقِّب بـ “البحتري” لقصر قامته، واشتهر حديث عنه قيل فيه لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ (ويقصد بالثلاثة المتنبي وأبو تمام والبحتري) فرد أبو العلاء بأنَّ المتنبي وأبو تمام حكيمان إنَّما الشاعر هو البحتري.
لقد تتلمذ على يد أبي تمام وتنقل في مدن سوريا وذهب إلى بغداد وتميز بعلاقات جيدة مع كافة أمراء الدولة العباسية، وقد تكسَّب المال من الشعر، من ميزاته حفاظه على القصيدة العربية الأصيلة، وطغى على شعر الغزل لديه الرقة واللطف والعاطفة العذبة، وابتعد بشكل عام عن الصعوبة والتعقيد في الصور والصياغة، أما وفاته فكانت نتيجة الإصابة بالسرطان في 284 هجرية.
6. أبو نواس:
هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول، ولد في العراق في 146هجرية، بدأ مسيرته أجيراً لدى عطَّار ثم انتقل إلى الكوفة لتعلُّم قواعد الشعر والقرآن والفقه والحديث والتفسير، ونال مكانة هامة لدى هارون الرشيد، وعرف بشعر الخمر والمجون بين شعراء العصر العباسي، وتميز بالتجديد والتنوع في الموضوعات.
كان شعره سهل الألفاظ بعيداً عن الحشو، وخرج عن تكاليف القصيدة العربية فقد ابتعد عن اللهجة البدوية، وفي القسم الثاني من حياته انتقل إلى الزهد وتوفي في 198 هجرية.
7. أبو العتاهية:
هو إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العيني، ولد في العراق وعاش طفولة بعيدة عن الترف، ولُقِّب بالزاهد لحكمته وإيمانه القوي بالله، وكان من أهم شعراء العصر العباسي؛ لكونه مدح الخلفاء العباسيين طيلة حياته، ووقع بحب إحدى الجواري اسمها عُتبة في زمن الخليفة المهدي، لكن لم يتزوجها وكتب فيها قصيدة “عُتبة”، وكان للغزل العذري مكانة هامة في شعره، ولشدة براعته في الشعر؛ قيل عنه شاعر الجن والإنس.
8. ابن الفارض:
هو عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي، ولقبه يعود لأبيه الذي كان يثبت الفرائض وحقوق النساء على الرجال فهو الفارض، ولد في مصر وعاصر صلاح الدين الأيوبي، فكان شاهداً على انتصاراته واستلم مناصب هامة في الدولة، ولكنَّه تفرَّغ للتفكير ورفض ما يشتت ذهنه.
من أهم كتبه في الشعر الصوفي هو ديوانه “التائية الكبرى”، وعرف بتواضعه ورِقَّة أشعاره وجمال صوره الإبداعية، ولُقِّب “سلطان العاشقين” لشدة عشقه الإلهي بالرغم من أنَّ بعض الشيوخ اتهموه بالزندقة، ووفاته أيضاً كانت في مصر.
9. أبو تمام:
نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى | ما الحبُّ إلا للحبيب الأول |
يُردَّد هذا البيت بكثرة حتى زمننا الحالي، فأثر أبو تمام في الشعر لا يُمحى، وهو حبيب بن أوس الطائي، ولد في حوران في سوريا، وعُدَّ من أبرع شعراء العصر العباسي في الإلقاء والتقليد منذ صغره، كما تميز بقوة شعره وجزالته في الغزل والمدح والرثاء ومختلف المجالات.
كان شاعر عدة خلفاء وأمراء ووزراء، فغار معظم أقرانه منه، وكتب دواوين عديدة منها فحول الشعر، ونقائض جرير والأخطل، ومختار أشعار القبائل، ويعدُّ ما تركه من شعر إرثاً لا يُقدَّر بثمن.
10. بشار بن بُرد:
هو بشار بن بُرد العقيلي، ولد في البصرة في العراق، وكان أعمى منذ طفولته فكانت تصطحبه والدته إلى مجالس النساء فعرف عنهم من صغره الكثير، فاشتهر فيما بعد في علاقاته، وقد جاهر بالخمر والزنا، وتميز بالسخرية اللاذعة، كما تميز بالهجاء، فقد هجى جرير ولم يرد جرير عليه لصغر سنه، فاعترف بشار بأنَّ غايته كانت أن يسمع الناس بشعره.
في العشرين من عمره عرف بحضوره ندوات الفكر الإسلامي، ويعد من شعراء العصر العباسي مجددي حركة الشعر العربي، وفي سنواته الأخيرة عرف بكثرة هجاء الخلفاء العباسيين، وأبياته الأخيرة كانت السبب في قتله على يد يعقوب بن داود.
في الختام:
شعراء العصر العباسي من أهم الشعراء حتى زمننا الحالي، فقد تركوا إرثاً هاماً من الشعر؛ لما تميزوا به من حكمة وبلاغة وفصاحة، وقد تحدَّثنا في مقالنا عن أهمهم كالمتنبي والبحتري وأبي فراس الحمداني الذي كتب الروميات في أثناء أسره لدى الروم، والفيلسوف الشاعر أبي العلاء المعري الذي سجل أحداث معارك العرب والروم في قصائده بالرغم من أنَّه كفيف.
أيضاً من نخبة شعراء العصر العباسي ابن الرومي الذي شهد كثيراً من المآسي، فكانت قصائده حزينة، وأيضاً تحدَّثنا عن أبي نواس، وأبي العتاهية الذي بدأ حياته بالمجون ثم زهد وتقرَّب من الله، وكذلك ابن الفارض الذي عرف بحبه الإلهي وتصوفه، وأبي تمام الذي ترك أهم القصائد، وكذلك بشار بن بُرد الذي توفي نتيجة هجاء الخلفاء العباسيين.