من هو عدي بن ربيعة؟ نسبه وحياته وشعره

جسدت أعمال سينمائية وتلفزيونية ضخمة حياة هذه الشخصية المسماة “الزير سالم، أبو ليلى المهلهل” ولعلَّ أشهرها المسلسل السوري الذي حمل اسم الشخصية التي جسَّد دورها الفنان القدير “سلوم حداد” إلى جانب نخبة من نجوم سوريا المميزين، وعلى الرغم من مرور سنوات على عرضه، ما تزال الفضائيات تعرضه بين الفينة والأخرى وتحظى حلقاته على “يوتيوب” بآلاف المشاهدات.
لم يكن “عدي بن ربيعة” الملقب بـ “الزير سالم” شخصاً عابراً في التاريخ العربي، فقد ترك من الشعر والشجاعة إرثاً تتناقله الأجيال واحداً تلو الآخر، فإذا ما كنت تطمع بمعرفة مزيد من المعلومات عن هذه الشخصية الاعتبارية الفريدة، فأهلاً بك في هذا المقال.
نبذة عن عدي بن ربيعة (الزير سالم):
“عدي بن ربيعة” أو “الزير سالم” أو “المهلهل” شخصية معروفة عبر التاريخ، اسمه الكامل “عدي بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر التغلبي الوائلي”، وكنيته “أبو ليلى”، ولقبه “المهلهل”، و”الزير سالم”.
وهو من أبرز شعراء العصر الجاهلي، لُقب بـ “المهلهل” حسب الروايات؛ وذلك لأنَّه أول من هلهل نسج الشعر في التاريخ العربي؛ أي رققه، أما عن تسميته بـ “الزير سالم”، فلأنَّه في صباه كان مولعاً بمجالسة النساء فأسماه أخوه “كليب” “الزير”، وقيل إنَّ لقبه “سالم” كان بسبب نجاته من الحروب الكثيرة التي خاضها.
حياة عدي بن ربيعة المهلهل:
وُلد “عدي بن ربيعة” في القرن السادس الميلادي، ونشأ في قبيلة “تغلب” إحدى أشهر قبائل العرب في العصر الجاهلي، وكان “عدي بن ربيعة” شجاعاً وكريماً وفارساً مُحنَّكاً، وقيل إنَّه كان يُدعى “سيد العرب”.
خاض “المهلهل” كثيراً من الحروب في حياته، ولعلَّ أشهرها حرب البسوس التي نشبت بين قبيلتي “تغلب” و”بكر” بسبب مقتل “كليب بن ربيعة” أخو “عدي بن ربيعة” على يد “جساس بن مرة”، وقاد “عدي بن ربيعة” “تغلب” في هذه الحرب، وأخذ بثأر أخيه، واستمرت حرب البسوس 40 عاماً، وكانت من أشهر حروب العصر الجاهلي.
من الجدير بالذكر أنَّ “عدي بن ربيعة” لم يكن الشاعر الفذ الوحيد في عائلته، فيُقال إنَّه جد الشاعر “عمرو بن كلثوم” من جهة أمه؛ أي إنَّ والدة “عمرو بن كلثوم” هي ابنة “الزير سالم”، كما أنَّ الشاعر الشهير “امرؤ القيس” هو ابن أخت “الزير السالم”؛ أي إنَّ المهلهل خال “امرئ القيس”.
قصة الزير سالم:
زواج كُليب من ابنة عمه الجليلة:
تبدأ قصته الشهيرة من زواج أخيه “كُليب” بـ “الجليلة” ابنة عمه التي كان لها أخ اسمه “جساس” يكره تسلُّط “كليب” وعنهجيته، وفي يوم من الأيام أرسلت “البسوس” أم “جساس” و”الجليلة” ناقتها للرعي مع إبل “كليب”، وهو الملك الذي كان يمنع أن تشارك أيَّة إبل إبله الرعي، فلما رأى ناقة “البسوس” بين إبله قتلها، وحين وصل الخبر إليها جُنَّ جنونها وحرَّضت ابنها “جساساً” على قتل “كليب”، فقتله.
حرب الزير سالم ضد أبناء عمومته:
بدأ الزير سالم حرباً ضروساً ضد أبناء عمومته، واستمرت هذه الحرب 40 عاماً وسُميت حرب البسوس، وقد ذاق فيها الرجال والنساء والأطفال الويلات، إلى أن اتفقت القبائل على الصلح الذي لم يلبث المهلهل أن نكصه، ولكنَّه كان قد هُرم.
موت الزير سالم:
تتعدد الروايات المتعلقة بموته، فقسم يقول إنَّه وقع في يد “عمرو بن مالك” فأسره وأحسن إليه إلى أن سمعه ينشد شعراً في ابنته وهو مخمور فقتله عطشاً، وقسم آخر يروي مقتل “الزير سالم” على يد عبدين وُضعا لخدمته في أثناء السفر معه، ولكنَّ جميع الروايات تتفق على كون “الزير سالم” فارساً شجاعاً مغواراً، وشاعراً فذاً عبقرياً.
شعر المهلهل:
كتب “عدي بن ربيعة المهلهل” كثيراً من القصائد التي تنوعت موضوعاتها بين الرثاء وتحديداً رثاء أخيه “كليب”، وبين الغزل الذي أدى في إحدى الروايات إلى مصرعه، وبين التغني بالفروسية والشجاعة والصداقة والحكمة والفخر، ومن شعر المهلهل اخترنا لكم الآتي:
شعر المهلهل في رثاء أخيه كليب
كُلَيْبُ لاَ خَيْرَ في الدُّنْيَا وَمَنْ فِيهَا
إنْ أنتَ خليتها في منْ يخليها
كُلَيْبُ أَيُّ فَتَى عِزٍّ وَمَكْرُمَةٍ
تحتَ السفاسفِ إذْ يعلوكَ سافيها
نعى النعاةُ كليباً لي فقلتُ لهمْ
مادتْ بنا الأرضُ أمْ مادتْ رواسيها
لَيْتَ السَّمَاءَ عَلَى مَنْ تَحْتَهَا وَقَعَتْ
وَحَالَتِ الأَرْضُ فَانْجَابَتْ بِمَنْ فِيهَا
أضحتْ منازلُ بالسلانِ قدْ درستْ
تبكي كليباً وَلمْ تفزعْ أقاصيها
الْحَزْمُ وَالْعَزْمُ كَانَا مِنْ صَنِيعَتِهِ
ما كلَّ آلائهِ يا قومُ أحصيها
القائدُ الخيلَ تردي في أعنتها
زَهْوَاً إذَا الْخَيْلُ بُحَّتْ فِي تَعَادِيها
النَّاحِرُ الْكُومَ مَا يَنْفَكُّ يُطْعِمُهَا
وَالْوَاهِبُ المِئَةَ الْحَمْرَا بِرَاعِيهَا
منْ خيلِ تغلبَ ما تلقى أسنتها
إِلاَّ وَقَدْ خَضَّبَتْهَا مِنْ أَعَادِيهَا
قدْ كانَ يصحبها شعواءَ مشعلة
تَحْتَ الْعَجَاجَةِ مَعْقُوداً نَوَاصِيهَا
تكونُ أولها في حينِ كرَّتها
وأنتَ بالكرِّ يومَ الكرِّ حاميها
حَتَّى تُكَسِّرَ شَزْراً فِي نُحُورِهِمِ
زرقَ الأسنةِ إذْ تروى صواديها
أمستْ وَقدْ أوحشتْ جردٌ ببلقعةٍ
للوحشِ منها مقيلٌ في مراعيها
ينفرنَ عنْ أمِّ هاماتِ الرجالِ بها
وَالْحَرْبُ يَفْتَرِسُ الأَقْرَان صَالِيهَا
يهزهونَ منَ الخطي مدمجةٍ
كمتاً أنابيبها زرقاً عواليها
نرمي الرماحَ بأيدينا فنوردها
بِيضاً وَنُصْدِرُهَا حُمْراً أَعَالِيهَا
يا ربَّ يومٍ يكونُ الناسُ في رهجٍ
بهِ تراني على نفسي مكاويها
مستقدماً غصصاً للحربِ مقتحماً
ناراً أهيجها حيناً وأطفيها
لاَ أَصْلَحَ الله مِنَّا مَنْ يُصَالِحُكُمْ
ما لاحتِ الشمسُ في أعلى مجاريها
شعر المهلهل في النساء
طفلةُ ما ابنةُ المجللِ بيضا
ءُ لعوبٌ لذيذةُ في العناقِ
فاذهبي ما إليكِ غيرُ بعيدٍ
لا يؤاتي العناقَ منْ في الوثاقِ
ضربتْ نحرها إليَّ وَقالتْ
يا عدياً لقدْ وقتكَ الأواقي
ما أرجي في العيشِ بعدَ نداما
يَ أَرَاهُمْ سُقُوا بِكَأْسِ حَلاَقِ
بَعْدَ عَمْروٍ وَعَامِرٍ وَحيِيٍّ
وَرَبِيعِ الصُّدُوفِ وَابْنَيْ عَنَاقِ
وَامْرِئِ الْقَيْسِ مَيِّتٍ يَوْمَ أَوْدَى
ثمَّ خلى عليَّ ذاتِ العراقي
وَكُلَيْبٍ شُمِّ الْفَوَارِسِ إِذْ حُمْ
مَ رَمَاهُ الْكُمَاةُ بِالاتِّفَاقِ
إن تحت الأحجار جداً وليناً
وخصيماً ألدَّ ذا معلاقِ
حَيَّة فِي الْوَجَارِ أَرْبَدَ لاَ تَنْ
فَعُ مِنْهُ السَّلِيمَ نَفْثَةُ رَاقِ
لَسْتُ أَرْجُو لَذَّةَ الْعَيْشِ مَا
أَزَمَتْ أَجْلاَدُ قَدٍّ بِسَاقِي
جَلَّلُونِي جِلْدَ حَوْبٍ فَقَدْ
جَعَلُوا نَفَسِي عِنْدَ التَّرَاقِي
خصائص شعر عدي بن ربيعة:
تميز شعر عدي بن ربيعة بعدد من السمات، ولعل أبرز خصائص شعر المهلهل:
1. القوة والوضوح:
يتميز شعر المهلهل بقوَّته ووضوحه، وهذه سمة شائعة في العصر الجاهلي؛ إذ اشتُهر لسان البادية بالألفاظ القوية الجزلة التي كانت وليدة قساوة العيش هناك، واستخدم المهلهل القوة والجزال ليُعبِّر عن أفكاره ومشاعره بوضوحٍ ودون غموض.
2. الصور التشبيهية والاستعارية:
يُتقن المهلهل استخدام الصور التشبيهية والاستعارية في شعره، وهذه أيضاً سمة من سمات الشعر، ولكنَّ براعته في التشبيه والاستعارات كانت أهم ما يُضفي على شعره جمالاً وقوةً.
شاهد بالفيديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
3. فن النظم والقافية:
يُتقن المهلهل فنَّ النظم والقافية، فهو ابن البيئة الصحراوية التي كانت الفصاحة فيها فطرية، فتشرَّب من محيطه قواعد النظم حتى صارت قصائده تخرج من سليقته، فيلتزم بشكل عفوي بقواعد العروض والقافية في شعره.
4. الصدق والواقعية:
يتميز شعر المهلهل بالصدق والواقعية؛ إذ يعكس مشاعر الشاعر وأفكاره بصدقٍ وواقعيةٍ، وهذه من سمات شخصية المهلهل، فلم تذكر الروايات أنَّه كان مخادعاً أو موارباً أبداً؛ بل كان مباشراً.
5. التنوع في الموضوعات:
يتناول شعر المهلهل موضوعاتٍ متنوعةً، مثل الفخر، والغزل، والرثاء، والحكمة.
وفاة عدي بن ربيعة:
تختلف الروايات المتعلقة بوفاة “عدي بن ربيعة”، ولكنَّ معظمها تجتمع على قتله على يد عبدين من عبيده اشتراهما، ثم سئما منه، فاتفقا أن يقتلاه في القفر ليأخذا ماله، وقد كان كبيراً في السن، وتوفي “الزير سالم” في عام 90 قبل الهجرة /534 للميلاد.
يعزز صحة هذه الرواية البيتان الشعريان الشهيران:
مَن مِبلغ الحيَّين أنَّ مهلهلاً
أضحى في الفلاة قتيلاً مُجندَلا
لله دركما ودر أبيكما
لا يَبرح العبدان حتى يُقتَلا
تقول الروايات إنَّ المهلهل قد شعر بنية العبدين وعزمهما على قتله، فاستبق الأمر وطلب منهما أن يقتلاه وأوصاهما أن يوصلا بيتاً شعرياً إلى أبناء أخيه “كليب” وهو “مَن مُبلغ الحيَّين أنَّ مهلهلاً لله دركما ودر أبيكما”، فاستغرب “الجرو” و”اليمامة” أبناء “كليب” من قول العبدين، فهم يدركون أنَّ عمهما شاعر فذ لا يقول مثل هذا الكلام المنقوص، ففهما أنَّ للرسالة تتمة وأولاها على الشكل الذي ذكرناه، وعرفا أنَّ العبدين قد قتلاه، فقتلاهما تنفيذاً لوصية عمهما.
في الختام:
إنَّ “الزير سالم أبو ليلى المهلهل” لم يمر مرور الكرام على حياة الجاهلية العربية، فقد كان فارساً مغواراً شجاعاً لا يهاب المنايا، وكان في الوقت ذاته شاعراً فذاً ورجلاً يحب الخمر والنساء واللهو.
إنَّ في قصة حياته وثأره لأخيه كثيراً من العبر، فعلى الرغم من بشاعة التعصب وما جرَّه من دماء وويلات، إلا أنَّنا نستطيع استخلاص بعض العبر الجيدة، مثل أهمية الشجاعة، والفطنة، وحب الأخوة، والولاء لهم حتى الرمق الأخير من الحياة.