التدريس والتعلم

إدارة التغيير في المدرسة: بين الدوافع والمعوقات


هذا التغيير والتطور ليس حكراً على الإنسان؛ بل على المؤسسات أيضاً على اختلاف أنواعها اقتصادية أو خدمية أو تربوية تعليمية؛ وذلك بهدف البقاء والاستمرار، فالتغيير هو سمة رئيسة من سمات المؤسسات الذي يعكس استقراراً إدارياً يسمح للمؤسسة بالتكيف مع تغييرات البيئة المحيطة.

تهتم قيادة التغيير بالتحرك من الوضع الحالي الذي نعيشه إلى وضع مستقبلي أفضل وأحسن وأكثر كفاءة من الوضع الراهن؛ لذا ركز مديرو العصر الحالي في أعمالهم على تبني مفهوم التغيير من خلال سعيهم إلى إحداث تغييرات تنظيمية أو هيكلية حتى تصبح المؤسسة أكثر مرونةً في الاستجابة لرغبات ومتطلبات زبائنها.

العملية التعليمية بدورها تقوم من أجل التغيير والتطوير، فهي التي تحتل المرتبة الأولى من بين وسائل الإصلاح في مجتمع ما، لكنَّ نتائج هذه العملية مرهونة إلى حد كبير بإدارتها المسؤولة عن قيادة سير العملية التعليمة والتربوية وتوجيهها ضمن مسارها الصحيح، وعلى الرغم من حتمية التغيير وضرورته إلا أنَّه يوجد ما يجابه هذا التغيير بالمقاومة؛ وهذا يعوق تحقيق التقدم والنمو.

أولاً: مفهوم إدارة التغيير في المدرسة

التغيير عملية مستمرة ومتجددة، فهو أحد مظاهر الحياة؛ بمعنى أنَّه أمر طبيعي الحدوث وليس على سبيل الاستثناء، فهو عمل جماعي مقصود ومخطط له ومرتكز أساسي للتوجه نحو المستقبل، وتوجد مجموعة كبيرة من التعريفات التي بينت معنى التغيير منها:

  • “هيام نجيب الشريدة” عرَّفت التغيير بأنَّه “تغيير في الأنظمة العاملة في المنظمة أو في ثقافتها؛ وذلك بتحسين طريقة تأديتها لنشاطاتها وزيادة فاعليتها، وصياغة قرارات التغيير بنوعية أفضل فيما يتعلق ببناء النظام أو مهامه، واستخدام بُعده التقني ومصادره البشرية وكذلك أهدافه بقيادة إدارية واعية تجعل المرؤوسين يقومون بمشاركة إيجابية للمستويات الإدارية المختلفة في النظام”.
  • “محمد يوسف العطيات”: “عملية التحول من الواقع الحالي للفرد أو المؤسسة إلى واقع آخر منشود يرغب في الوصول إليه خلال فترة زمنية محددة بأساليب وطرائق معروفة لتحقيق أهداف طويلة وقصيرة الأمد، كي تعود بالنفع على الفرد أو المؤسسة أو كليهما معاً”.
  • “علي السلمي” قال: إنَّ التغيير هو “تحرك ديناميكي باتباع طرائق وأساليب مستحدثة ناجمة عن الابتكارات المادية والفكرية ليجعل بين طياته وعوداً وأحلاماً لبعض الناس، وندماً وآلاماً لبعضهم الآخر وفق الاستعداد الفني والإنساني، وفي جميع الأحوال نجد أنَّ التغيير ظاهرة يصعب تجنبها، وهو لا يخرج عن كونه استجابة مخططة أو غير مخططة من قِبل المنظمات للضغوطات التي يتركها التقدم والتطور الفني الملموس وغير الملموس في الماديات والأفكار”.

من خلال ما ذُكر آنفاً عن معنى التغيير، يمكن القول إنَّ التغيير يعني الانتقال بالمؤسسة التعليمية أو المدرسة من وضع تكون فيه عاجزة عن العطاء وتقديم خدماتها كما يجب إلى وضع أفضل تلبي طموح التلاميذ والمجتمع منها، وبالطبع هذا التغيير يحتاج إلى قيادة إدارية فعالة لتحقيقه بأفضل وجه ممكن، وإدارة التغيير تعني إحداث تغييرات أو تعديلات مقصودة وهادفة في الهيكل التنظيمي، وسلوكات الأفراد، والعلاقات الإنسانية في العمل، والتكنولوجيا المستخدمة، وطريقة العمل أيضاً بأقل سلبيات ممكنة وبأقصر وقت وأقل جهد وكلفة بالشكل الذي يحسن أداء المدرسة على الأمد الطويل.

شاهد بالفيديو: 8 معوقات للتفكير الإبداعي في المؤسسات

 

ثانياً: دواعي ومبررات التغيير في المدرسة

  1. الانفجار السكاني، إذ إنَّ تزايد عدد السكان ومن ثمَّ إعداد التلاميذ، أدى إلى قصور في تقديم خدماتها التعليمية بكفاءة، وبالإضافة إلى عدم الاتساق والتوازن بين حاجات التلاميذ وعددهم داخل المدرسة.
  2. الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، ففي ظل الانفجار المعرفي الذي يرافق الثورة التكنولوجية حدثت تغييرات جذرية في كافة مجالات الحياة استدعت التغيير في الأساليب والطرائق؛ وذلك لمواكبة التطورات المعرفية والعلمية لتحقيق الأهداف بجودة عالية وخدمة أكبر شريحة من المستفيدين من خدماتها بالشكل الذي يحسن عملية التعلم والتعليم ويتماشى مع المقاييس التربوية العالمية.
  3. الأسباب الاجتماعية، وهي تتمثل في تغيير القوانين والأنظمة الجديدة التي تصدر لتنظيم المجتمع، وتتطلب بدورها التغيير في المدرسة لتواكب التغيير كي تتجنب المدرسة التعرض للمساءلة والمحاسبة.
  4. الأسباب السياسية، وتتمثل في تغيير الأهداف المدرسية نتيجة لتغيير السياسية العامة للدولة، أو تغيير في الأهداف العامة، أو إلغاء الأهداف القديمة وما يتبع ذلك التغيير من ضرورة التغيير في المدرسة لإعداد الجيل بما يتوافق مع السياسات أو الأهداف الحديثة.
  5. التغيير الجوهري في المدرسة مثل إضافة مادة جديدة للمناهج الدراسية أو حذف أخرى وما يتطلبه ذلك من إضافات للبناء المدرسي من أماكن وتقنيات وغيرها وباستقطاب المعلمين لتدريس تلك المادة.
  6. الأسباب النفسية، سواء المتعلقة بالتلاميذ أم العاملين في المدرسة من كافة الفئات الوظيفية، مثل انخفاض الروح المعنوية للتلاميذ أو للعاملين من معلمين ومشرفين تربويين واجتماعيين وإداريين، وضرورة التغيير لتعزيزها بما يكفل تقديم المدرسة خدماتها بأفضل جودة وإنتاج أفضل مخرجات تعليمية.
  7. التغيير بسبب الأخطاء في عملية اتخاذ القرار داخل المدرسة والرغبة في التخلص من الأنماط القيادية فيها التي تقتل الإبداع لدى التلاميذ ولا توفر البيئة المناسبة لهم للابتكار.
  8. المنافسة العلمية بين المدارس والرغبة في حصد التفوق والتميز.
  9. تعزيز الروابط بين المدرسة والمجتمع المحلي وإقامة شراكة فاعلة بينهما بحيث يخدم كل منهما الآخر.

على اختلاف الأسباب يبقى السبب الرئيس من عملية التغيير في المدرسة هو عجزها عن القيام بعملها جيداً، وبعدها عن قضايا المجتمع وأهدافه، وعدم ممارسة دورها بفاعلية كأداة وظَّفها المجتمع لهذه الغاية، والتغيير يجب أن يكون حلاً يحقق التقدم بعمل المدرسة ولا يؤدي إلى أزمة جديدة ويمهد الطريق للدوران في حلقة مفرغة.

ثالثاً: أهداف التغيير في المدرسة

  1. تحسين المناخ التعليمي في المدرسة من خلال تحديد ما يوجد فيها من مشكلات واقتراح الحلول المناسبة لها.
  2. التنبؤ بالمعوقات التي يمكن أن تعترض سير العملية التعليمية وتحقيق المدرسة لأهدافها في المستقبل.
  3. بناء نظام من العلاقات الإنسانية والتفاعلية الجيدة بين كوادر المدرسة الإدارية والتعليمة.
  4. مساعدة المدرسة على تلبية كافة رغبات ومتطلبات تلاميذها.
  5. مساعدة المدرسة على التكيف مع البيئة المحيطة وقياس احتياجاتها وتحسين قدرتها على النمو ودعم تلاميذها وتوفير البيئة الملائمة لتعليمهم وكسب ثقتهم.
  6. مساعدة الكوادر البشرية العاملة في المدرسة على تحقيق الأهداف التنظيمية والتعليمية وتحقيق الرضى الوظيفي.
  7. تمكين مدير المدرسة من الأخذ بالأساليب الإدارية الحديثة وتطبيقها بجودة عالية.
  8. تقدير الفرص المتاحة للمدرسة في البيئة الخارجية وصياغة استراتيجيتها وطرائقها لاكتساب الميزة التنافسية في الحاضر والمستقبل.

رابعاً: معوقات التغيير في المدرسة

يتعرض كل عمل عند القيام لمجموعة من المعوقات والصعوبات التي تحاول منعه أو حرفه عن مساره، وبالنتيجة تمنعه عن تحقيق أهدافه بكفاءة، وتُعرِّف موسوعة الموارد البشرية المعوقات بأنَّها “صعوبة في العمل مع بعض الغموض، وتقف حاجزاً دون تحقيق الأهداف بالشكل المطلوب، وقد يُعَدُّ انحرافاً في جودة الأداء عن المعيار الموضوع سابقاً”.

فالمعوقات هي الصعوبات التي تواجه مديري المدارس خلال قيامهم بأعمالهم، وتنشأ هذه الصعوبات أو المعوقات من مصادر مختلفة فهناك:

  1. معوقات تنظيمية ترتبط بالهيكل التنظيمي للمدرسة وعدد الصفوف وأعداد الطلاب ونسبة الطلاب إلى المعلم الواحد، وسياسية الأجور والحوافز للمعلم والإداريين أيضاً.
  2. معوقات سلوكية ترتبط بسلوك الكوادر البشرية العاملة داخل المدرسة من حيث دافعيتهم للعمل وقبولهم للتغييرات الجديدة، وضعف مشاركة العاملين في التغيير، وضعف التدريب والتأهيل، وتعدد الوظائف والمهام للفرد الواحد.
  3. معوقات فنية ترتبط بالتكنولوجيا والتقنيات المستخدمة وغياب القاعدة المعلوماتية.
  4. معوقات اجتماعية ترتبط بعادات وتقاليد المجتمع والتركيب الطبقي الموجود فيه.
  5. معوقات اقتصادية ترتبط بالظروف الاقتصادية وقلة الأموال المخصصة للمدرسة لإدارة التغيير فيها.

أما بالنسبة إلى أسباب مقاومة التغيير فأهمها:

  1. التمسك بالعادات والتقاليد والنظرة التقليدية للمدرسة، فالعادة تُشعر الفرد بالراحة والأمان وهي مترسخة يصعب تغييرها.
  2. الخوف على المصالح المادية والمعنوية والاعتقاد بأنَّ التغيير قد يجعلهم يقدرون المكاسب التي حققوها من قبل.
  3. ضعف الرغبة في تقبل التغيير والخوف من خسارة بعض العلاقات الشخصية التي تكون هامة للفرد.
  4. عدم وضوح المراد من التغيير أو عدم الاقتناع بالهدف منه.
  5. دائرة الاهتمام المحصورة بالفرد نفسه بحيث لا يهتم إلا بالتغيير الذي يعنيه بشكل مباشر.
  6. الخوف من المجهول وتوقع الخسارة، فالتغيير يخضع للتقييم والمتابعة ومن ثمَّ سوف تعمل على رفع بعض الناس وعلى إقصاء آخرين.
  7. الخوف من الاضطرار إلى تعلُّم مهارات جديدة يتطلبها التغيير.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح تساعد الأطفال والآباء على الاستعداد للعودة إلى المدرسة

 

خامساً: استراتيجيات التغلب على مقاومة التغيير

1. استراتيجية الإقناع:

تتم من خلال طرح موضوع التغيير للمناقشة بين الكوادر البشرية المعنية به، وبيان وجهات النظر وأهمية التغيير والحاجة إليهم فيه؛ وهذا يساعد على زيادة دافعيتهم نحو العمل.

2. استراتيجية المشاركة:

تقوم على إتاحة الفرصة لجميع الكوادر العاملة في التخطيط للتغيير.

3. استراتيجية الدعم:

تكون من خلال الاستماع لمخاوفهم وآرائهم المتعلقة بالتغيير وكيفية تحسينه وتدريبهم على أساليب العمل الجديدة وإكسابهم المهارات التي يتطلبها.

4. استراتيجية الترهيب الصريح أو الضمني:

وتكون عبر استخدام المدير لسلطته وتهديد العاملين بعقوبات حرصاً على المصلحة العامة.

5. استراتيجية التفاوض:

تكون استراتيجية التفاوض عبر تقديم الحوافز المادية والمعنوية للعاملين مقابل مواكبة التغيير.

6. استراتيجية المناورة والاستقطاب:

إذ يعمل المدير على تقديم المغريات لأفراد معينين يكونون صاحبي تأثير كبير في الأفراد الباقين بهدف استقطابه وكسبه ليساعد على عملية التغيير.

في الختام:

تُعَدُّ الإدارة المدرسية الإدارة التنفيذية لبرامج وخطط التربية والتعليم، فهي التي تقود عملية التغيير لتحسين نوعية التعليم ومخرجاته وتحقيق أهدافه التي يحددها له المجتمع، وتُعد قيادة التغيير هادفة ومدروسة تسعى إلى تحقيق أهداف محددة؛ إذ تساعد على تبني مفاهيم وأساليب حديثة ومعاصرة تتفق وطبيعة عملها بوصفها مؤسسة تربوية، وتطوير قدرتها على الإبداع والتطوير، وجعل المدرسة أكثر قابلية للتكيف مع التغييرات المحيطة وإبقاء النشاط والفاعلية، والتخلص والقضاء على الأساليب التقليدية التي لم تعد تناسب هذا العصر الذي يُعَدُّ التغيير أبرز سماته.

المصادر:

  • رسلان ابراهيم محمد صيام، فاعلية برنامج القيادة من أجل المستقبل وعلاقته بقيادة التغيير لدى مديري المدارس بوكالة الغوث الدولية في محافظات غزة ، كلية التربية، الجامعة الإسلامية، غزة،2017
  • فهد مشبب المطيري، مقترحات تطبيق إدارة التغير التنظيمي بالمدارس الثانوية بدولة الكويت، كلية التربية، جامعة جنوب الوادي، الكويت، 2020
  • مستورة عبدالله جراد الزهراني، المعوقات التي تواجه قائدات المدارس في ممارسة قيادة التغيير في المدارس المتوسطة بجدة، مجلة الإدارة التربوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى