التدريس والتعلم

بم يختلف التعليم عن بعد عن التعليم التقليدي؟ مقارنة شاملة


لم يعد الحضور الجسدي ضرورياً لاكتساب المعرفة، فأصبح بإمكان الطلاب الولوج إلى الدروس والمواد التعليمية من أي مكان في العالم، ومع هذا التحول الجذري، يبقى السؤال الأساسي محور تساؤلاتنا: ما الذي يميز التعليم عن بُعد عن التعليم التقليدي؟ هل ثمة فارقٌ جوهري يبرز بين المنهجين؟

مفهوم كل من التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد:

تتغير أساليب نقل المعرفة بشكلٍ مستمر، فيظهر أمامنا نظامان تعليميان يتميزان بطابعين مختلفين: التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد، يشكل كلٌ منهما تجارب فريدة في عملية نقل المعرفة وتأهيل الطلاب:

1. التعليم التقليدي:

هو نوع من التعليم يعتمد على الصفوف الدراسية التقليدية داخل المدارس والجامعات، يحضر فيه الطلاب إلى الفصول الدراسية ويتلقون المعرفة والتعليم من خلال التفاعل مباشرة مع المعلمين والزملاء.

2. التعليم عن بُعد:

يشير إلى عملية التعلُّم التي تتم عبر الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية، ويحصل فيه الطلاب على المواد التعليمية والدروس والمحاضرات من خلال منصات تعليمية عبر الإنترنت، ويتفاعلون مع المحتوى الدراسي عن بُعد دون الحاجة إلى الحضور الجسدي في مكان محدد.

الفرق بين التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد:

أولاً: من حيث أسلوب تقديم المحتوى التعليمي

التعليم التقليدي:

يكون الشرح مباشراً من قبل المعلم بشكل أساسي، وفيه يُستخدم الكتاب المدرسي والسبورة والعروض التقديمية بوصفها أدوات رئيسة لنقل المعرفة، في التعليم التقليدي يُستخدَم الكتاب المدرسي بوصفه مصدراً رئيساً للمعلومات.

التعليم عن بُعد:

يعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا ووسائل الإعلام الرقمية، ويتضمن استخدام مقاطع الفيديو، والدروس التفاعلية، والبرمجيات التعليمية، والمحادثات الصوتية والمكتوبة، وموارد التعلُّم الإلكترونية مثل صفحات الويب ومنصات التعلُّم عبر الإنترنت، إضافة إلى الواقع الافتراضي والواقع المعزز.

ثانياً: من حيث المرونة الزمنية

التعليم التقليدي:

يعتمد على جدول زمني محدد وثابت يُحدَّد من قبل المؤسسات التعليمية، ويجب على الطلاب الالتزام به، كما يجب عليهم الحضور إلى الصفوف الدراسية وفقاً للجدول المحدد والذي قد يكون صارماً جداً.

التعليم عن بُعد:

يتيح للطلاب مرونة في تنظيم وقتهم وتحديد جدول الدراسة الذي يتناسب مع احتياجاتهم الشخصية، يُمكِّن الطلاب من الوصول إلى المواد التعليمية والدروس عبر الإنترنت في أي وقت يرونه مناسباً.

ثالثاً: من حيث التفاعل وطرائق التواصل

التعليم التقليدي:

يكون التفاعل وطرائق التواصل أكثر تركيزاً على الجوانب الشخصية والحضور الجسدي، فيتفاعل المعلم مباشرة مع الطلاب في الفصل الدراسي، ويمكنهم طرح الأسئلة والاستفسارات والمشاركة في المناقشات الفعالة والتفاعلية، ويتم تبادل الأفكار والمعرفة وجمع الآراء والتعبير عنها بشكل مباشر.

التعليم عن بُعد:

يتم الاعتماد على وسائل التواصل الافتراضية نظراً لعدم وجود جسدي مباشر، وتُستخدَم فيه التقنيات الحديثة مثل الدردشات الصوتية والمكتوبة والمنتديات الإلكترونية؛ لتمكين التواصل بين المعلم والطلاب، ويمكن للطلاب تبادل المعرفة والأفكار والمشاركة في المناقشات عبر الإنترنت دون الحاجة إلى الحضور الجسدي في نفس الغرفة.

رابعاً: من حيث الحضور الجسدي للطالب والمعلم

التعليم التقليدي:

يتطلب حضوراً جسدياً ليجتمع الطلاب والمعلمون في الفصول الدراسية داخل المؤسسات التعليمية.

التعليم عن بُعد:

يسمح بالدراسة من أي مكان، دون الحاجة إلى الحضور الجسدي، فيمكن الوصول إلى المواد التعليمية عبر الإنترنت في أي مكان وأي وقت.

شاهد بالفديو: ما هي أهمية التعليم المدمج؟

 

خامساً: من حيث إمكانية التحديث

التعليم التقليدي:

عملية التحديث صعبة جداً؛ لأنَّها تعتمد بشكل كبير على الهياكل والبرامج التقليدية التي تحتاج إلى تغيرات كبيرة لتحديثها، مثلاً تحتاج إلى جمع جميع الكتب وإتلافها من أجل إعادة نشر التعديل الجديد، وهذا يتطلب كلفة عالية ووقتاً طويلاً.

التعليم عن بُعد:

عملية التحديث سهلة وغير مكلفة، ويمكن أن تحدث بعد النشر أيضاً.

سادساً: من حيث الإتاحة

التعليم التقليدي:

متوفر بأماكن محددة وزمن محدد، ويتطلب وجود الطلاب والمعلمين في مكان واحد، وهذا يحدُّ من إمكانية الوصول للطلاب الذين قد يكونون في مناطق بعيدة أو لديهم صعوبات في الوصول إلى المؤسسات التعليمية.

التعليم عن بُعد:

متوفر بأي زمان وأي مكان، وهذا يزيد من انتشار الفرص التعليمية للطلاب الذين قد يواجهون عقبات جغرافية أو اجتماعية في التعلُّم.

سابعاً: من حيث الاعتمادية

تشير الاعتمادية في التعليم إلى الطريقة التي يعتمد بها الطلاب على مصادر محددة للحصول على المعرفة والتعلُّم، وثمة فرق بين التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد في كيفية الاعتمادية ودور المعلم في كل منهما.

التعليم التقليدي:

في هذا النوع من التعليم، يكون المعلم المصدر الرئيسي للمعرفة، فهو فقط الذي يقدم المعلومات ويشرحها ويوضحها للطلاب، وهنا تكون السلطة والمسؤولية في يده، فيكون دوره محورياً في توجيه وتبسيط المفاهيم للطلاب ونقل المعرفة لهم.

التعليم عن بُعد:

يكون المعلم مرشداً ومستشاراً للطلاب بدلاً من أن يكون مصدراً مباشراً ووحيداً للمعرفة، ويعتمد الطلاب في التعلُّم على استخدام الأدوات التكنولوجية والإنترنت للبحث عن المعلومات بأنفسهم، ويقدم المعلم الإرشاد والتوجيه ويدعم الطلاب في تحليل المعلومات وتقييمها وفهمها بشكل أعمق.

ثامناً: من حيث الكلفة المالية

البنية التحتية والموارد

التعليم التقليدي:

يحتاج إلى بنية تحتية مادية كبيرة مثل المدارس والفصول الدراسية والمكتبات والمعدات التعليمية.

التعليم عن بُعد:

يتطلَّب الاعتماد على التكنولوجيا والبنية الرقمية، مثل الأجهزة الإلكترونية (أجهزة الكمبيوتر، الهواتف الذكية، الحواسيب اللوحية) واتصال بالإنترنت ومنصات التعلُّم الإلكتروني، وهذا قد يكون مكلفاً من حيث التوفير والصيانة.

التكاليف الإضافية

التعليم التقليدي:

يتطلب التعليم التقليدي تكاليف إضافية للنشاطات الخارجية مثل الرحلات الميدانية والفعاليات الخاصة بالتعليم.

التعليم عن بُعد:

قد تتكبد تكاليف للبرمجيات والتراخيص والمواد التعليمية الرقمية، ولكن قد تكون أقل من تكاليف النشاطات الخارجية التقليدية.

تكاليف التنقل والإقامة

التعليم التقليدي:

يتطلب التنقل إلى المدارس أو الجامعات، ويترتب على هذا تكاليف النقل والإقامة والوجبات الغذائية.

 التعليم عن بُعد:

يُقلل من الحاجة إلى التنقل، ومن ثم يُقلل من تكاليف السفر والإقامة والمصاريف المرتبطة.

قد يبدو أنَّ تكلفة التعليم عن بُعد أقل في بعض الحالات من حيث البنية التحتية والتنقل، ولكن قد تحتاج إلى استثمارات أولية كبيرة في البنية التكنولوجية والتدريب على الاستخدام الفعال لهذه التقنيات.

شاهد بالفديو: 12 طريقة لتحفيز الطلاب

 

تاسعاً: من حيث جاذبية المحتوى

التعليم التقليدي:

المحتوى عبارة عن كتاب مطبوع به نصوص كتابية، وبعض الصور، وتفتقر الدروس النمطية في الصف إلى التفاعل المباشر وغالباً ما يكون تقديم المحتوى محدوداً بطريقة واحدة، مثل المحاضرات الشفهية دون استخدام الوسائط المرئية بشكل كبير.

التعليم عن بُعد:

يمكن تصميم الدروس بشكل تفاعلي يشمل الألعاب التعليمية، والوسائط المتعددة، ومنصات التواصل الاجتماعي التعليمية والفيديوهات التعليمية، والتمرينات التفاعلية، والنشاطات، وهذا يزيد من جاذبية المحتوى.

عاشراً: من حيث التقييم

التعليم التقليدي:

يكون التقييم في البيئة التقليدية من خلال الاختبارات الكتابية أو الشفوية والواجبات المنزلية، مع إمكانية تقديم التقييم الشخصي.

التعليم عن بُعد:

يمكن أن يتم التقييم عن بُعد عبر استخدام الاختبارات الإلكترونية، والمشاريع عبر الإنترنت، وتقييم الأداء عن بُعد، توفر هذه الطرائق مرونة أكبر في تقييم الطلاب وتحديد مدى فهمهم للمواد.

أحد عشر: من حيث المتابعة

التعليم التقليدي:

يمكن للمعلم أن يقدم دعماً وتوجيهاً فردياً للطلاب خلال الحصص أو بعد الصف.

التعليم عن بُعد:

قد يكون التفاعل الشخصي أقل، ولكن يمكن استخدام البريد الإلكتروني، والمحادثات عبر الإنترنت، وجلسات الاستشارة عبر الفيديو لتقديم الدعم الشخصي.

إثنا عشر: من حيث التغذية الراجعة أو ردود الفعل الفورية

التعليم التقليدي:

يمكن للمعلم أن يقدم ردود فعل فورية للطلاب خلال الحصص الصفية؛ من خلال التوجيه الشفهي والمباشر.

التعليم عن بُعد:

قد تتسبب البيئة الرقمية في تأخير ردود الفعل الفورية، ولكن يمكن استخدام الأدوات التكنولوجية مثل المنصات التعليمية الإلكترونية لتقديم ردود فعل سريعة من قبل المعلمين.

ثلاثة عشر: من حيث المصداقية

التعليم التقليدي:

في هذا النوع من التعليم، يكون ثمة مستوى عالٍ من المراقبة المباشرة من قبل المعلم في أثناء الاختبارات والمهام، وهذا النوع من المراقبة يمكن أن يحدَّ من حدوث الغش ويسهِّل على المعلم اكتشاف أي ممارسات غير ملائمة أو مخالفات.

التعليم عن بُعد:

التحكم والمراقبة أصعب بسبب الطبيعة البعيدة للتعلم، وقد يزيد الاعتماد على التكنولوجيا والاتصال عبر الإنترنت من التحديات المتعلقة بمراقبة الغش أو الممارسات غير الملائمة، أو قد يكون الخوف من وقوع الممارسات الخاطئة مثل الغش أكبر نتيجة لعدم القدرة على المراقبة المباشرة والتفاعل المباشر.

في الختام:

تبقى المقارنة بين التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد مثار اهتمام، فيتجاوز النقاش عن الفروق ويدخل عالم الابتكار والتحول في مجال التعليم، ويظهر التعليم التقليدي بمميزاته من التفاعل المباشر والتواصل وجهاً لوجه، بينما يتميز التعليم عن بُعد بالمرونة والوصول الشامل، لكنَّ مستقبل التعليم ليس قائماً فقط على اختيار أحد الأسلوبين على حساب الآخر، بل يتمثل التحدي الحقيقي في استثمار قوة كل منهما ودمج أفضل المميزات لتحقيق تجربة تعليمية شاملة ومتطورة، وإنَّ تقنيات التعلُّم الرقمي والتفاعل المباشر، والتحول نحو التعليم الهجين، جميعها أدوات تسهم في رحلة التعليم نحو التطوير والتحسين المستمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى