التدريس والتعلم

كيف تنمي مهارة التلخيص لدى تلاميذك؟


الآن تخيلوا معي طالباً مجتهداً يقضي ساعات طويلة في مكتبه محاطاً بالكتب والمذكرات، ويقوم بقراءة المنهج بشكل دقيق، فإنَّه يبذل جهداً كبيراً ويدرس ليلاً ونهاراً، ومع ذلك، عندما يأتي وقت الامتحان أو مراجعة المواد، يكتشف أنَّه يواجه صعوبة في استعادة المعلومات التي تعلَّمها بجدية.

إذا كان الطالب لديه الاجتهاد والتفاني الكافيَين في الدراسة، فهل يعرف كيف يستخرج الأفكار الرئيسة من النصوص ويعزز فهمه للمواد؟ مهارة التلخيص هي المفتاح للإجابة عن هذا السؤال، وهي الحل لمشكلة نسيان الطالب المجتهد للمعلومات التي سبق أن درسها.

تمتد مهارة التلخيص إلى مختلف جوانب الحياة اليومية والعملية، فهي تساعد على تبسيط المعلومات المعقدة وتوجيه الانتباه إلى النقاط الرئيسة، وتُعَدُّ أداة قيِّمة للمتعلمين في مجالات التعليم والبحث؛ إذ تسهم في تحسين الفهم وتوجيه الدراسة بشكل صحيح، فما هي مهارة التلخيص وأهميتها؟ وكيف يمكن مساعدة الطالب على اكتساب هذه المهارة وتطبيقها بشكل فعال وتحقيق الاستفادة القصوى منها؟ تابع قراءة المقال الآتي.

أولاً: مهارة التلخيص وأهميتها في عصر المعلومات

أصبحت مهارة التلخيص أكثر أهمية من أي وقت مضى في عصر المعلومات الذي نعيش فيه، ففي هذا العصر، نواجه تفاوتاً هائلاً في كميات المعلومات التي يمكننا الوصول إليها يومياً عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية، إضافة إلى ما يُدرَس من كتب في المدارس، وهذا التفاوت يجعل من مهارة التلخيص أداة حيوية لفهم ومعالجة هذا الكم الهائل من المعلومات.

يُقصَد بمهارة التلخيص بلوغ الحد الأقصى من المعنى في الحد الأدنى في اللفظ، وهي القدرة على تحديد المعلومات الهامة في الموضوع وتحديد ارتباطها بشكل محكَم دون الإخلال بالمضمون أو الإبهام في المعنى، وكل فرد له أسلوبه الخاص، وبحسب تعبير الاتحاد الأمريكي للمكتبات، التلخيص هو تحويل نص معين إلى شكل مختصَر يتم من خلاله التكثيف والحذف، مع الحفاظ على المعنى العام وعلى طريقة العرض المستخدَمة في الأصل.

تأتي أهمية امتلاك الطالب لمهارة التلخيص من الفوائد التي قد تحققها وتحسِّن أداءهم الدراسي، وهي:

  1. زيادة الفهم: يجبر التلخيص الطلاب على فهم المواد بشكل أعمق من خلال تحليلها واستخلاص النقاط الرئيسة والاحتفاظ بالمعلومات الهامة واستبعاد المعلومات الأقل أهمية.
  2. توجيه الانتباه: يساعد التلخيص على توجيه انتباه الطلاب إلى الأفكار والمعلومات الأكثر أهمية وصلة بالموضوع الدراسي، وإيجاد أكثر الإجابات إيجازاً لكل التساؤلات المطروحة.
  3. تحسين مهارات الكتابة: من خلال ممارسة التلخيص، يتعلم الطلاب كيفية التعبير بشكل موجز وواضح، وهذا يؤثر إيجاباً في مهاراتهم في الكتابة.
  4. زيادة الإنتاجية: تساعد مهارة التلخيص على توفير الوقت والجهد عند قراءة المواد ومراجعتها، وهذا يزيد من إنتاجية الطلاب.
  5. تطوير مهارات التفكير النقدي: يتطلب التلخيص تقييماً نقدياً للمعلومات والأفكار، وهذا يساهم في تطوير مهارات الفكر النقدي للطلاب.
  6. تحسين أداء الاختبارات: تؤدي مهارة التلخيص دوراً هاماً في تحضير الطلاب للاختبارات والامتحانات؛ إذ يمكن استخدامها لإعداد ملخصات فعالة تساعد على الاستذكار في أثناء الامتحان.
  7. زيادة الثقة بالنفس: يزيد نجاح الطلاب في التلخيص من ثقتهم بقدراتهم الأكاديمية، ويشجعهم على تطوير مهاراتهم الشخصية والتعليمية.
  8. التطبيق في الحياة العملية: لا تقتصر مهارة التلخيص على مجال التعليم فقط؛ بل يمكن استخدامها في الحياة اليومية وفي مجالات العمل لتبسيط المعلومات واتخاذ القرارات السريعة.

ثانياً: كيفية تنمية مهارة التلخيص لدى طلابك

قبل البدء بذكر بعض الطرائق التي تساعد على تنمية مهارة التلخيص لدى الطلاب، يجب على المعلم شرح مفهوم التلخيص بشكل جيد للطلاب، وتوضيحه، وشرح أهميته، وكيفية استخدامه في حياتهم اليومية وفي مجالات الدراسة والعمل، وفيما يأتي خطوات تعليم مهارة التلخيص للطالب:

1. قراءة النص عموماً لتكوين نظرة شاملة، ومن ثم تحديد الأفكار الرئيسة:

يجب قراءة النص لأول مرة بشكل كامل وتكوين فكرة عامة عنه، ومن ثمَّ إعادة القراءة مرة ثانية بعناية، من أجل دفع التلميذ لملاحظة التفاصيل وتحديد النقاط الرئيسة والبحث عن العبارات التي تحتوي على أفكار رئيسة، وتجاهل التفاصيل الثانوية والمعلومات الدقيقة التي ليست ضرورية لفهم الفكرة الرئيسة.

قد تكون هذه التفاصيل مفيدة للتوضيح، ولكنَّها ليست جزءاً من التلخيص، ومن ثمَّ اطلب منهم كتابة ملخص موجز للنص، ويجب أن يكون هذا الملخص مختصَراً ومفهوماً؛ إذ يتعين على الطالب التعبير عن الفكرة الرئيسة للنص بأقل عدد من الكلمات، ومن ثمَّ قم بعملية تقييم لملخص الطالب ومقارنته مع النص الأساسي والتأكد من أنَّه يعبِّر عن الأفكار الرئيسة في النص.

2. تسجيل رؤوس الأقلام:

يجب عليك توجيه الطلاب لتسجيل رؤوس الأقلام في أثناء قراءتهم لنص معين، وتُستخدَم هذه الأداة عادةً لتمييز وتحديد النقاط الرئيسة في النصوص، وتسهِّل عملية التلخيص، فيمكن للطلاب استخدام أقلام ملونة لتحديد أفكار مختلفة على سبيل المثال، ويمكن استخدام لون معين لتحديد الأفكار الرئيسة ولون آخر لتحديد التفاصيل الثانوية. 

يمكن استخدام رموز بسيطة مثل علامات التعجب (!) للإشارة إلى الجمل الهامة أو الأفكار المفاجئة، واستخدام علامات الاستفهام (؟) للإشارة إلى الأمور التي يجب البحث فيها أو التي تحتاج إلى مزيد من التوضيح، أو إنشاء جداول أو مخططات بسيطة لتنظيم الأفكار الرئيسة والمعلومات الهامة في النص.

3. وضع الخطوط على ما يدل على وجود علاقات بين الأشياء في النص:

تساعد هذه العلاقات على فهم السياق العام للنص وكيفية ارتباط الأفكار والمعلومات فيه، وتشمل تحديد العبارات أو الجمل التي تُظهِر علاقات مثل التسلسل، والسبب، والنتيجة، والمقارنة، والتأكيد، والتضاد، والسياق الزمني.

4. تلخيص منهجي لكل فقرة في جملة واحدة:

هي عملية تحويل محتوى فقرة كاملة إلى جملة مفيدة ومختصَرة تحتوي على النقاط الرئيسة للفقرة، فيجب على الطالب قراءة النص، وتحديد الأفكار الرئيسة والأفكار الفرعية، ومن ثمَّ تحديد الأفكار الرئيسة التي يجب أن تظهر في الملخص. 

على سبيل المثال، إذا كانت لديك فقرة تتحدث عن فوائد الرياضة تشمل الأفكار الرئيسة لها الاستفادة من اللياقة البدنية، وتقوية العضلات، وتحسين الصحة العامة، فيمكنك تلخيصها بجملة واحدة مثل “تساعد الرياضة على تحسين اللياقة البدنية وتقوية العضلات وتعزيز الصحة”.

5. وضع خطوط تحت الكلمات الهامة في النص:

تساعد هذه الخطوة على توجيه الانتباه إلى الجوانب الأكثر أهمية في النص، وتجنب الانشغال بالتفاصيل الثانوية، إضافة إلى تبسيط عملية التلخيص، فعندما توجد خطوط تحت الكلمات الهامة، يصبح من الأسهل للطلاب تلخيص هذه الأفكار الرئيسة؛ إذ يمكنهم الرجوع إلى هذه الكلمات للمساعدة على إعداد ملخص موجز.

6. تقديم تمرينات تطبيقية للطلاب تتضمن مواد مختلفة للتلخيص:

يمكنك استخدام نصوص قصيرة أو مقاطع صوتية أو فيديوهات، فقدِّم توجيهات وأسئلة تشجع الطلاب على تحديد النقاط الرئيسة وكتابة ملخصات موجزة.

7. المناقشة والتحليل:

ناقش مواد مختلفة مع الطلاب، وحفزهم على التحليل النقدي، واطلب منهم تحليل النصوص وتقديم وجهات نظرهم الخاصة عن الأفكار الرئيسة والتفاصيل الهامة.

8. تحديات التلخيص:

نظم تحديات تلخيص داخل الصف؛ إذ يتنافس الطلاب على تلخيص مواد في وقت محدد، وهذا يشجع على التفكير السريع واكتساب المهارات اللغوية.

ثالثاً: محاذير التلخيص، أخطاء يجب تجنب الوقوع بها

  1. إضافة معلومات غير صحيحة: يجب على الملخص أن يكون دقيقاً وألا يضيف معلومات غير صحيحة أو مفبركة، ويجب أن يستند التلخيص إلى محتوى النص الأصلي.
  2. تجاهل الفكرة الرئيسة: أحياناً يركز الأشخاص فقط على التفاصيل الثانوية ويتجاهلون الفكرة الرئيسة للنص، فيجب على الملخص أن يعكس النقاط الرئيسة بشكل أساسي.
  3. تجاهل الترتيب الزمني أو السياق: في بعض الحالات، يتم تلخيص النص دون النظر في ترتيب الأحداث أو العلاقات الزمنية بين الأفكار؛ لذا يجب مراعاة السياق والترتيب الزمني.
  4. تشويه المعنى: يجب عدم تشويه معنى النص الأصلي أو إعطاء معانٍ مختلفة عن النية الأصلية للكاتب.
  5. الإطالة الزائدة: يجب أن يكون التلخيص موجزاً ومبسَّطاً، لذلك تجنب الإطالة الزائدة وإدراج تفاصيل غير هامة.
  6. تجاهل التوجيهات: إذا كانت توجد توجيهات خاصة لعملية التلخيص، فيجب اتباعها بعناية.
  7. الاقتصار الزائد: تجنَّب الاقتصار الزائد، فقد يؤدي التلخيص المفرط إلى فقدان الأفكار الرئيسة أو التفاصيل الهامة.
  8. عدم الرجوع إلى النص الأصلي: يفضَّل دائماً الرجوع إلى النص الأصلي للتحقق من دقة التلخيص والتأكد من أنَّ جميع الأفكار الرئيسة قد تم ذكرها بشكل صحيح.
  9. من الخطأ تضمين الملخص آراء شخصية إلا في حال طُلِب منك ذلك.
  10. عدم الاستعانة بأي استشهاد خارج النص الأساسي.

في الختام:

تطوير مهارة التلخيص لدى الطلاب هو أمر ضروري في عصر المعلومات الذي نعيش فيه، فإذا تم تزويد الطلاب بهذه المهارة، فإنَّهم سيكونون قادرين على استخراج الأفكار الرئيسة والمعلومات الهامة من النصوص بسهولة وفهمها بشكل أفضل؛ إذ يؤدي المعلم الدور الحاسم في تنمية هذه المهارة من خلال توجيه الطلاب وتقديم الإرشادات اللازمة، فالمعلم يمكنه بناء جيل من الشباب القادر على فهم وتحليل المعلومات بشكل أفضل واتخاذ قرارات مستنيرة في مستقبلهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى