التدريس والتعلم

مفهوم التعليم التعاوني: فوائده وسلبياته


ويمتد أثر التعليم الإيجابي ليشمل المجتمع بأكمله، فالتعليم هو أساس التقدُّم الاقتصادي والاجتماعي ومختلف المجالات الأخرى، فالفارق الوحيد بين المجتمعات المتقدِّمة والمتأخرة هي نسبة التعليم فيها.

شملت التطورات مختلف المجالات، ومع ذلك بقي التعليم أحد أقل المجالات تطوراً عبر العصور، ولكنَّ السنوات الأخيرة شهدت ظهور طرائق حديثة متعددة للتعليم، ومعظمها اعتمدت على المتعلِّم في العملية التعليمة، بدلاً من الاعتماد الكامل على المعلِّم كما هو متعارف عليه في الأساليب التعليمة التقليدية.

من الطرائق الحديثة الهامَّة يوجد التعليم من خلال اللعب والذي ناسب طلاب رياض الأطفال على وجه الخصوص، أو التعليم من خلال المشاريع والذي يناسب طلاب المرحلة الجامعية كثيراً، أمَّا الأسلوب الذي يلائم مختلف الأعمار فهو التعليم التعاوني؛ لذلك سنوضِّح لك مفهومه وفوائده وسلبياته في مقالنا الحالي.

مفهوم التعليم التعاوني:

يُطلق التعليم التعاوني على مختلف الأنشطة التي يعتمد تنفيذها على مشاركة الطلاب لبعضهم بعضاً في العمل والتنفيذ؛ إذ يُجزَّأ الطلاب إلى عدة مجموعات، وكل مجموعة تشكِّل فريقاً مكوَّناً من عددٍ من الطلاب، يتراوح عددهم بين 3-6 طلاب تقريباً؛ وذلك بحسب حجم الصف وبمستويات متفاوتة، فمثلاً أحدهم ذو مستوى مرتفع، والثاني متوسط، والثالث ضعيف؛ وذلك لكي يقوموا بمساعدة بعضهم من خلال الحوار وتبادل الخبرات والمعلومات.

يؤدي ذلك إلى تحقيق الأهداف المرجوَّة من المادة الدراسية، ويشعر أعضاء المجموعة بضرورة التعاون؛ وذلك لأنَّ فشل أحدهم يتسبَّب بنتائج سلبية للفريق بأكمله، ويعرِّضهم للمحاسبة والمساءلة من قبل المعلِّم، والعكس صحيح، فعند النجاح بتنفيذ النشاط المطلوب يُكافئ الفريق بأكمله بالطريقة التي يحدِّدها المعلم؛ أي يعتمد التعليم التعاوني مبدأ “ننجو معاً، أو نغرق معاً”.

دور المعلِّم في التعليم التعاوني:

المُعلِّم له دور المنظِّم للبيئة التعليمية؛ إذ يختار الدروس المناسبة للتعليم التعاوني، ويشكِّل الطاولات، ثمَّ يختار أفراد كل فريق بحيث تكون المجموعة غير متجانسة، ثمَّ يُعطي كل عضو دوراً محدَّداً؛ إذ يوجد القائد، والمقرِّر، والملخِّص، والمشجِّع، أمَّا في أثناء الدرس فيشرح الأهداف التي ستُحقَّق في الدرس، ويُحدِّد المصادر والإرشادات اللازمة للعمل.

إضافة إلى تفقُّد المجموعات ومناقشتهم وإعطائهم تغذية راجعة، ومتابعة طريقة عملهم، ومشاركتهم في العمل أيضاً، لتُقرَّب المعلومات إلى أذهانهم، كما عليه تسجيل الملاحظات عن أداء كل مجموعة وكل طالب لتُقارن النتائج مع نتائج الدروس الماضية، ليدرك مقدار تحسُّن كل عضو من أعضاء المجموعة وتطور القدرات العقلية له عمَّا كانت عليه سابقاً.

شاهد بالفديو: 12 طريقة لتحفيز الطلاب

 

فوائد ومزايا التعليم التعاوني:

التعليم التعاوني شيء أكبر من مجرد توزيع الطلاب في مجموعات، وتكليفهم بأنشطة ثمَّ تنفيذها بالتعاون فيما بينهم؛ بل إنَّه أسلوب تعليمي متطوِّر، يعود بكثير من الفائدة، وخاصةً على المتعلمين، إليك أبرز فوائده:

1. التخلص من أعباء الأساليب القديمة في التعليم:

والتي يأخذ فيها المعلِّم دور المتسلِّط أحياناً، ويقع على عاتقه دور التعليم بأكمله، فالتعليم التعاوني يعمل على تفعيل دور كل من المعلِّم والمتعلِّم في العملية التعليمية.

2. إثارة روح التعاون بين الطلاب:

والابتعاد عن الأنانية التي تجعل بعض من المتعلِّمين يمتنعون عن تقديم المعلومة لزملائهم، فهذه الطريقة تجبر الجميع على وضع كل ما يمتلك من خبرات على طاولة الفريق، ممَّا يساعد على رفع مستوى الطلاب، فنتيجة التعاون يكتسب كل منهم خبرات جديدة، ويتعلَّم كل منهم شيئاً من الآخر، ومن ثمَّ يوفِّر التعليم التعاوني فرصاً لضمان نجاح جميع المتعلِّمين.

3. تفجير الطاقات العقلية الكامنة لدى الطلاب:

فهذه الطريقة تحفِّز الطالب على بذل مزيد من الجهد، واستخدام ذكائه لحلِّ المسائل المطلوبة من المجموعة، بهدف الحصول على العلامات المميزة أو المكافآت؛ إذ إنَّ المكافآت وسيلة لتعزِّز روح المنافسة بين الفرق.

4. يرفع التعليم التعاوني من قدرة الطالب على النقاش والحوار وإبداء الرأي:

ومن ثمَّ يعزِّز من ثقة المتعلِّم بنفسه، كما أنَّه يساعد على تعويد الطالب على سماع النقد القائم على الحجج والبراهين، وهذا الأمر ضروري لبناء شخصية قادرة على مواجهة الحياة بوعي أكبر لاحقاً وقادرة على التأقلم مع الحياة الاجتماعية التي تُفرض عليها.

5. يساعد المتعلِّم على فهم الدرس جيداً:

وتذكُّر المعلومات لفترة أطول، فثمَّة فرق كبير بين سماع المعلومات من المدرِّس وبين استنتاجها بعد التجريب والعمل والوقوع في الأخطاء ثمَّ المحاولة مجدداً للوصول إلى النتائج السليمة، كما أنَّ التعليم التعاوني هو طريقة تعزِّز قدرة المتعلِّم على اتخاذ القرار الصحيح لاحقاً.

6. تشجِّع المتعلِّم على تحمُّل المسؤوليات:

فكل عضو من أعضاء الفريق لديه وظيفة محدَّدة، ولا يمكن للفريق النجاح إلَّا إن أدَّى كل فرد من أفراده مهمته على أكمل وجه، فالمكافأة ليست على العمل الفردي ضمن المجموعة.

7. يحلُّ مشكلة تعامل المعلم مع الطالب الكسول أو الانطوائي:

أو حتى المشاغب الذي يتسبَّب أحياناً في ضياع فرصة تعلم زملائه وفرصة تعلمه أيضاً.

8. ليست حكراً على مواد دراسية معيَّنة:

بل يمكن استخدام هذه الطريقة في مختلف المجالات المعرفية الاجتماعية أو الإنسانية أو العلمية.

9. تعلُّم الطلاب المعاملة الحسنة مع الآخرين:

المبنية على حسن الاستماع لرأي الطرف المتحدث، وإبداء الاحترام للاختلاف بوجهات النظر، والرد بطريقة مهذبة ومباشرة بعيداً عن الكذب أو المجاملات.

10. تحفيز رغبة الطالب في التعلم:

فالتعليم التعاوني يُعطي المتعلم المعلومة ممزوجة بالمتعة والتشويق والتسلية أيضاً، بعكس أساليب التعليم التقليدية التي لا تخلو من الملل، حتى عند دراسة مادة محببة جداً فمن منَّا لا يشعر بالملل بعد ساعة من الجلوس والاستماع لشرح المعلم.

سلبيات التعليم التعاوني:

على الرَّغم من الإيجابيات الكثيرة للتعليم التعاوني والتي تجعل منه أسلوباً فعَّالاً في نقل المعلومات وحفظها، إلَّا أنَّه يمتلك جوانب ونقاط سلبية تقف عائقاً في وجه تطبيقه في كثير من الأحيان، نذكر منها ما يأتي:

1. تقييم المتعلِّمين غير عادل:

ففي طريقة التعليم التعاوني تُعطى العلامة للفريق بأكمله، وكما قلنا سابقاً فإنَّ الفريق مكوَّن من طلاب بمستويات مختلفة، فليس من العدل إعطاء نفس الدرجة لطالب متميز وطالب ضعيف، ولا يمكننا أن ننكر كمية الغضب التي يشعر بها الطالب المجتهد إن لم يُقدَّر ويُميَّز عن بقية الطلبة.

معظمنا مرَّ بلحظة شعر بها بأهمية اجتهاده عندما كُرِّم، سواء بالكلمات، أم بحصوله على درجة عالية، فلك أن تقدِّر حزن الطالب المجتهد عندما يحصل على نفس درجة طالب لا يُبدي نفس اهتمامه بالعلم.

2. يحتاج شرح الدرس بطريقة التعليم التعاوني إلى وقت أطول مقارنة بطرائق التعليم التقليدية:

والتي يُحضِّر فيها المعلِّم الدرس مسبقاً ليتمكَّن من شرحه بأسلوب يقرِّب المعلومات إلى ذهن الطالب، في حين أنَّ التعليم التعاوني يتطلَّب منه عدة إجراءات مسبقة لشرح الدرس، وإجراءات يقوم بها خلال الدرس، وإجراءات بعد الانتهاء أيضاً، ممَّا يجعل الفترة الزمنية اللازمة لإنهاء مقرر دراسي أطول.

3. يتطلَّب التعليم التعاوني الإشراف المستمر من قبل المعلِّم على سير عمل الفرق:

وقد لا يتمكَّن المعلِّم وحده من ضبط الفرق جميعها، ومن الصعب وجود عدة معلمين ليقوموا بمهمة الإشراف؛ لذلك تطبيق التعليم التعاوني أصعب بالنسبة إلى المعلمين من التعليم التقليدي.

4. عدم تقبُّل أحد المتعلمين لرأي زميله في الفريق:

قد يتسبَّب في نشوب خلاف يعوق القيام بالنشاط المطلوب، وقد يعوق سير الدرس أيضاً، وفي بعض الأحيان قد تنشب الخلافات بين فريقين نتيجة المنافسة للوصول إلى النتائج المرجوَّة طمعاً في الحصول على المكافآت.

5. في حال كان الفريق مكوَّناً من عدد كبير من الطلاب، فقد يتسبَّب ذلك في اعتماد أعضاء الفريق على اثنين أو ثلاثة من المتعلِّمين فقط للقيام بالنشاط المطلوب:

وقد لا يكون السبب في ذلك هو الكسل ورمي المهام للآخرين أو عدم الرغبة بالتعلُّم؛ وإنَّما نتيجة عدم وجود دور فعَّال لبقية أعضاء الفريق، فيبقوا مشاهدين لما يحدث فقط، ومن ثمَّ لن يحصلوا على الفائدة المرجوَّة من التعليم التعاوني حتى إن حصلوا على العلامات المميزة.

6. قد يحتاج التعليم التعاوني إلى إمكانات للقيام بالأنشطة يصعب توفرها نتيجة التكلفة المادية.

في الختام:

التعليم التعاوني هو نموذج تدريسي يعتمد على المشاركة والتعاون بين المتعلمين؛ إذ تُستنتج المعلومات من خلال النقاش والحوار والعمل الجماعي لحل المشكلات، ممَّا يساهم في إنشاء جو من التعاون بين المتعلِّمين، كما يعزِّز ثقة الطالب بنفسه نتيجة رفع قدرته على إبداء الرأي والحوار، ويحسِّن من قدرته على التواصل مع الآخرين ومعاملتهم معاملة حسنة بعيداً عن الأنانية أو المنافسة اللأخلاقية.

إضافة إلى تحفيز الطالب للتعلُّم من خلال الجوِّ الممتع الذي يثيره التعليم التعاوني، فضلاً عن أهميته في تسهيل وصول المعلومة لذهن الطالب وإمكانية تذكُّرها لفترة أطول، وتسهيل مهمة المعلِّم في التعامل مع الطالب الكسول أو الخجول، لكن لا يخلو الأمر من وجود بعض السلبيات، كغياب العدل في تقييم الطلاب، والحاجة إلى وقت أطول وإمكانات أكثر، وجهد أكبر من المعلِّم ليستطيع الإشراف على المجموعات وضبطها قدر الإمكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى