التدريس والتعلم

أشهر نظريات التعلم في علم النفس


يُعَدُّ فهم نظريات التعلم أمراً هاماً لكل من المعلمين والطلاب، وبالنسبة إلى المعلمين، قد يساعد وجود فهم قوي لنظريات التعلم على تصميم استراتيجيات تعليمية فاعلة، وخلق بيئات تعليمية تعمل على تحسين نتائج الطلاب، وقد يساعد فهم المبادئ الكامنة وراء نظريات التعلم المختلفة بالنسبة إلى الطلاب على تحديد أنماط التعلم والتفضيلات الخاصة بهم، التي تعزز أداءهم الأكاديمي ونموهم الشخصي.

سنقدم في هذا المقال لمحة عامة عن أكثر نظريات التعلم شيوعاً في علم النفس، وتشمل هذه النظريات السلوكية، والبنائية، ونظرية التعلم المعرفي، ونظرية التعلم الإنسانية، ونظرية التعلم الاجتماعي، وتقدم كل نظرية رؤى فريدة لعملية التعلم، وتقدم وجهات نظر مختلفة عن كيفية اكتساب المعرفة والمهارات، ونأمل باستكشاف كل نظرية بعمق في الحصول على فهم أفضل لتعقيدات التعلم والآثار المترتبة على التعليم والبحث في المستقبل.

أشهر نظريات التعلم في علم النفس:

1. النظرية السلوكية:

النظرية السلوكية هي نظرية تعلُّم تركز على السلوك الذي تستطيع ملاحظته والعلاقة بين المُحفِّزات والاستجابات، وتؤكد أهمية العوامل البيئية في تشكيل السلوك، وتقترح أن يُتعلَّم كل السلوك من خلال التفاعل بين الفرد وبيئته، ويظن متبنو النظرية السلوكية أنَّ السلوك يُعَدَّل من خلال استخدام التعزيز والعقاب.

التكييف الكلاسيكي هو من المبادئ الأساسية للسلوكية؛ إذ إنَّه عملية يتعلم من خلالها الفرد ربط حافز محايد بحافز طبيعي، ويُعَدُّ “إيفان بافلوف” من أشهر الشخصيات المرتبطة بالتكييف الكلاسيكي؛ إذ أجرى سلسلة من التجارب على الكلاب لدراسة هذه العملية، ومن خلال هذه التجارب اكتشف “بافلوف” أنَّ الكلاب تتكيف على إفراز اللعاب استجابة للجرس، حتى لو لم يوجد طعام، من خلال الاقتران المتكرر بصوت الجرس مع تقديم الطعام.

التكييف الفاعل هو مبدأ أساسي آخر للسلوكية، وينطوي على استخدام التعزيز والعقاب لتشكيل السلوك، ويشير التعزيز إلى تقديم حافز يزيد من احتمالية تكرار السلوك، وتشير العقوبة إلى عرض منبه يقلِّل من احتمالية تكرار السلوك، وربما يكون هو الشخصية الأكثر شهرة المرتبطة بالتكييف الفاعل، بعد أن أجرى بحثاً مكثفاً عن هذه العملية.

لقد تعرضت النظرية السلوكية لانتقادات مختلفة على الرغم من شعبيتها، ومن الانتقادات الرئيسة أنَّها لا تأخذ في الحسبان العمليات العقلية الداخلية، مثل الأفكار والعواطف في تشكيل السلوك، كما تُنتَقَد للتركيز الشديد على السلوك الملحوظ وعدم مراعاة الفروق الفردية في أنماط التعلم والتفضيلات، ومع ذلك، فقد كان للنظرية السلوكية تطبيقات واقعية في مجالات مثل التعليم؛ إذ استُخدِمت لتطوير استراتيجيات وتدخُّلات تعليمية فاعلة للطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم.

2. النظرية البنائية:

النظرية البنائية هي نظرية تعلُّم تؤكد الدور النشط للمتعلم في عملية التعلم، وتقترح أن يبني الأفراد معرفتهم وفهمهم بناءً على تجاربهم وتفاعلاتهم مع البيئة، ووفقاً للنظرية، التعلم هو عملية شخصية ونشطة ومستمرة، تتضمن خلق المعنى من خلال تكامل المعلومات الجديدة والمعرفة السابقة، وتوجد أنواع عدة مختلفة من النظرية البنائية، مثل البنائية المعرفية والبناء الاجتماعي، وتؤكد البنائية المعرفية المعروفة أيضاً باسم “البنائية البياجية” على دور العمليات المعرفية الفردية في بناء المعرفة. 

تقترح أن يقوم الأفراد ببناء فهمهم للعالم بنشاط من خلال عملية الاستيعاب والتكيف، ويتضمن الاستيعاب تركيب معلومات جديدة في الهياكل العقلية القائمة، بينما يتضمن التكيف تعديل الهياكل الحالية لاستيعاب المعلومات الجديدة.

تؤكد البنائية الاجتماعية من ناحية أخرى دور التفاعلات الاجتماعية والسياق الثقافي في تشكيل التعلم، وتقترح أنَّ التعلم هو عملية تعاونية تتضمن التفاوض وصنع المعنى المشترك بين الأفراد، ويكتسب الأفراد وفقاً للبناء الاجتماعي المعرفة والفهم من خلال تفاعلهم مع الآخرين، وكذلك من خلال ملاحظاتهم للممارسات الثقافية والفن.

تعرضت البنائية لانتقادات كثيرة، منها أنَّه قد يكون من الصعب التفعيل والقياس؛ لأنَّها تؤكِّد الطبيعة الفردية والذاتية للتعلم، كما انتُقِدَت لأنَّها تحتمل أن تؤدي إلى نقص البنية والتوجيه في عملية التعلم، ومع ذلك، كانت للبنائية تطبيقات واقعية في مجالات مثل التعليم؛ إذ استُخدِمت لتطوير استراتيجيات التدريس المتمحورة على الطالب والقائمة على الاستفسار، التي تعزِّز التعلم النشط والتفكير النقدي.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات لجعل التعلم الذاتي فعالاً

 

3. نظرية التعلم المعرفي:

نظرية التعلم المعرفي هي نظرية تعلُّم تؤكد دور العمليات العقلية في التعلم، مثل الانتباه، والإدراك، والذاكرة، وحل المشكلات، وتقترح أن يقوم الأفراد بمعالجة المعلومات بنشاط، وتنظيمها في مخططات أو نماذج عقلية، واستخدام هذه النماذج لتفسير تجاربهم وفهمها.

تُعَدُّ من المبادئ الأساسية لنظرية التعلم المعرفي، ويشير هذا المبدأ إلى أنَّ التعلم ينطوي على معالجة المعلومات على مراحل، مثل المدخلات والمعالجة والمخرجات، ووفقاً لهذا المبدأ، يجب الاهتمام بالمعلومات وتشفيرها وتخزينها واسترجاعها حتى يحدث التعلم.

مبدأ آخر هام لنظرية التعلم المعرفي هو البنائية؛ إذ يؤكِّد هذا المبدأ دور المتعلم في بناء معرفته وفهمه، بناءً على خبراته وتفاعلاته مع البيئة، ويُنظَر في البنائية المعرفية إلى التعلم على أنَّه عملية نشطة لبناء المعنى، بدلاً من تلقِّي المعلومات بشكل سلبي.

طُبِّقت نظرية التعلم المعرفي في المجالات المختلفة، مثل التعليم وعلم النفس المعرفي، وفي التعليم، استُخدِمت نظرية التعلم المعرفي لتطوير استراتيجيات تعليمية تركز على العمليات المعرفية للمتعلم، مثل حل المشكلات، والتفكير النقدي، وما وراء المعرفة، وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى مساعدة المتعلمين على تطوير نماذجهم العقلية الخاصة بهم، إضافة إلى استراتيجيات اكتساب المعلومات وتنظيمها واستخدامها.

تعرضت نظرية التعلم المعرفي لانتقادات مختلفة، ومن هذه الانتقادات هو أنَّها قد تكون اختزالية؛ لأنَّها تركز على العمليات العقلية على حساب العوامل الاجتماعية والثقافية، كما انتُقِدَت لعدم مراعاة العوامل العاطفية والتحفيزية في التعلم، ومع ذلك، فإنَّ نظرية التعلم المعرفي لها تطبيقات واقعية في مجالات، مثل التعليم وإعادة التأهيل المعرفي؛ إذ استُخدِمت لتطوير التدخلات والعلاجات للأفراد الذين يعانون من إعاقات معرفية.

4. نظرية التعلم الإنسانية:

نظرية التعلم الإنسانية هي نظرية تعلُّم تؤكد على النمو الشخصي للمتعلم وتطوُّره، وتقترح أنَّ التعلم هو عملية اكتشاف الذات؛ إذ يُشجَّع المتعلِّم على القيام بدور نشط في تعلُّمه وتنميته، وتتجذر نظرية التعلم الإنسانية في أعمال “أبراهام ماسلو” و”كارل روجرز” اللذين آمنا بأهمية الإمكانات البشرية والنمو الشخصي.

من المبادئ الأساسية لنظرية التعلم الإنسانية هو التعلم الذاتي، ويشير هذا المبدأ إلى أنَّ المتعلمين يجب أن يؤدوا دوراً نشطاً في تعلُّمهم، وتحديد أهدافهم وغاياتهم، والبحث عن مواردهم ودعمهم، ويُنظَر إلى التعلم الموجَّه ذاتياً على أنَّه وسيلة لتعزيز الحافز والمشاركة والنمو الشخصي.

مبدأ آخر هام لنظرية التعلم الإنسانية هو التعلم التجريبي، ويؤكِّد هذا المبدأ على أهمية التدريب العملي والتعلم التجريبي في تعزيز النمو والتطور الشخصي، ووفقاً لهذا المبدأ، يجب إعطاء المتعلمين فرصاً للاستكشاف والتجربة والتفكير في تجاربهم الخاصة من أجل تطوير فهمهم ومعرفتهم.

طُبِّقت نظرية التعلم الإنسانية في التعليم والإرشاد والعلاج النفسي؛ ففي التعليم استُخدِمت نظرية التعلم الإنسانية لتطوير استراتيجيات التدريس المتمحورة حول الطالب التي تُعزِّز التعلم الذاتي، مثل التعلم القائم على المشاريع، والتعلم القائم على الاستفسار، واستُخدِمت نظرية التعلم الإنسانية في الإرشاد والعلاج النفسي لتعزيز النمو والتطور الشخصي، مع التركيز على الإدراك الذاتي للفرد وإمكاناته.

تعرضت نظرية التعلم الإنسانية لانتقادات، منها أنَّها قد تكون مفرطة التفاؤل والمثالية، مع التركيز على النمو الشخصي والتنمية على حساب التحصيل الأكاديمي والمهارات العملية، كما انتُقِدَت لعدم مراعاة العوامل الاجتماعية والثقافية التي تؤثِّر في التعلم، ومع ذلك، فإنَّ نظرية التعلم الإنساني لها تطبيقات واقعية في مجالات، مثل التعليم والإرشاد؛ إذ استُخدِمت لتعزيز النمو الشخصي والتطور لدى الأفراد.

شاهد بالفيديو: 6 عادات يمارسها الأشخاص الذين يتقنون التعلُّم

 

5. نظرية التعلم الاجتماعي:

نظرية التعلم الاجتماعي هي نظرية تعلُّم تؤكِّد دور العوامل الاجتماعية والبيئية في التعلم، وتقترح أن يتعلم الأفراد من خلال الملاحظة، والتقليد، ونمذجة سلوك الآخرين في بيئتهم الاجتماعية، واقترح “ألبرت باندورا” نظرية التعلم الاجتماعي لأول مرة، التي أكَّدت على أهمية التعلم الاجتماعي في تنمية السلوك البشري.

يُعَدُّ التعلم القائم على الملاحظة من المبادئ الأساسية لنظرية التعلم الاجتماعي، ويشير هذا المبدأ إلى أنَّ الأفراد يتعلمون من خلال مراقبة سلوك الآخرين وعواقب هذا السلوك، وقد يحدث التعلم القائم على الملاحظة من خلال الملاحظة المباشرة، وكذلك من خلال وسائل الإعلام والتكنولوجيا.

مبدأ آخر هام لنظرية التعلم الاجتماعي هو التعزيز، ويشير هذا المبدأ إلى أنَّه من المرجح أن يتكرر السلوك إذا تبعه تعزيز إيجابي، مثل المكافآت والتقدير، ومن ناحية أخرى، يقل احتمال تكرار السلوك إذا تبعه تعزيز سلبي، مثل العقوبة والنقد.

طُبِّقت نظرية التعلم الاجتماعي في التعليم وعلم النفس والدراسات الإعلامية؛ ففي التعليم، استُخدِمت نظرية التعلم الاجتماعي لتطوير استراتيجيات تعليمية تُعزِّز التعلم القائم على الملاحظة، مثل النمذجة والشرح، وفي علم النفس، استُخدِمت نظرية التعلم الاجتماعي لشرح تطور السلوك، مثل السلوك العدواني والسلوك الاجتماعي الإيجابي، أما في الدراسات الإعلامية فاستُخدِمت نظرية التعلم الاجتماعي لشرح آثار وسائل الإعلام في السلوك، مثل تأثير وسائل الإعلام العنيفة في العدوان.

تعرضت نظرية التعلم الاجتماعي لانتقادات مختلفة، ومن الانتقادات الرئيسة هو أنَّها قد تكون مختصَرة؛ وذلك لأنَّها تركز على السلوك على حساب العوامل المعرفية والعاطفية، كما انتُقِدَت لعدم مراعاة الفروق الفردية في التعلم، مثل الشخصية والدافع، ومع ذلك، فإنَّ نظرية التعلم الاجتماعي لها تطبيقات واقعية في مجالات، مثل التعليم والدراسات الإعلامية؛ إذ استُخدِمت لتطوير التدخلات والسياسات التي تعزز السلوك الإيجابي والتغيير الاجتماعي.

في الختام:

تُعَدُّ نظريات التعلم هامة في فهم كيفية اكتساب الأفراد للمعرفة والمهارات؛ إذ إنَّها تُوفِّر إطاراً لفهم العوامل المختلفة التي تساهم في التعلم وكيفية الاستفادة منها لتحسين نتائج التعلم، وتشمل نظريات التعلم الأكثر شيوعاً في علم النفس السلوكية، والبناء، ونظرية التعلم المعرفي، ونظرية التعلم الإنسانية، ونظرية التعلم الاجتماعي.

كل نظرية من نظريات التعلم هذه لها نقاط القوة والقيود الخاصة بها؛ إذ إنَّ جميعها لها تطبيقات واقعية في المجالات المختلفة، مثل التعليم، وعلم النفس، والدراسات الإعلامية، وبفهم هذه النظريات، يطوِّر المعلمون والممارسون تدخلات واستراتيجيات تعليمية أكثر فاعلية، تعزِّز السلوك الإيجابي والتغيير الاجتماعي، ويجب أن يستمر البحث المستقبلي في مجال نظريات التعلم في استكشاف التفاعل المعقد للعوامل المختلفة التي تساهم في التعلم، وكيفية تحسينها لنتائج التعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى