التدريس والتعلم

التعلم التعاوني وأهميته وعناصره


أولاً: ما هو التعلُّم التعاوني؟

التعلُّم التعاوني هو من طرائق تنظيم التفاعل الاجتماعي داخل غرفة الصف وخارجها؛ إذ تُحقَّق من خلاله أهداف العملية التعليمية على أكمل وجه، وهو أحد البدائل التي يستخدمها المعلِّم للتعامل الصفي، ولا ينحصر تطبيق هذه الطريقة على صفٍّ معيَّن أو عمر معيَّن؛ بل يمكن تطبيقه على جميع الأعمار.

يجلس التلاميذ عند تطبيق هذه الطريقة الجلسة الدائرية ويُعتَمَد أسلوب الحوار والنقاش لتحقيق النتائج التعلُّمية التعليمية المرجوة، ولا يتَّكل التلاميذ على المعلِّم بل يتعاونون فيما بينهم.

يمكن إذاً تعريف التعلُّم التعاوني بأنَّه أسلوب تعلُّم يعتمد على تقسيم التلاميذ إلى عدَّة مجموعات غير متجانسة، ويكون ضمن كل مجموعة تلاميذ من مستويات معرفية مختلفة؛ إذ يتراوح عدد أفراد المجموعة الواحدة بين 4 و6 تلاميذ، ويتعاون أفراد كل مجموعة على تحقيق أهداف تعليمية مشتركة.

ثانياً: فوائد التعلُّم التعاوني

للتعلُّم التعاوني الكثير من الفوائد التي يمكن إجمالها في مجموعة من النقاط، سنعددها فيما يأتي:

  • زيادة التحصيل: أشارت 19 دراسة من أصل 27 أُجريَت على التعليم التعاوني إلى زيادة تحصيل التلاميذ، كما أنَّ التلاميذ أوضحوا من خلال هذه الدراسات أنَّهم يفضِّلون التعلُّم الجماعي، فهو يعطي الفرصة للجميع ليشعروا بالنجاح واحترام الذات، كما أنَّ هذه الطريقة تمكِّنهم من عرض أفكارهم والتعبير عن وجهات نظرهم المختلفة عن موضوع معيَّن.
  • تعزيز الاتجاهات الجماعية: تسمح المجموعات الصفية للتلاميذ بتبادل الأفكار وشرح وجهات النظر وطرح الأسئلة دون خوف، كما تتيح لهم فرصة مساعدة بعضهم بعضاً وتحمُّل المسؤوليات المفروضة عليهم، إضافةً إلى توفير آليات التواصل الاجتماعي.

يعالج أسلوب التعلُّم التعاوني الفروقات الفردية سواء من حيث الدوافع أم الاتجاهات أم القدرة، كما أنَّ هذا الأسلوب ينشئ جواً وجدانياً وعاطفياً للتلاميذ الذين لا يرغبون ولا يحبون المشاركة أمام الصف؛ إذ يُخفف هذا الأسلوب من جو الصف التسلطي الذي يسبب القلق للكثيرين من التلاميذ، ويحول بينهم وبين التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم.

يُعَدُّ تطوير مهارات التعاون والتواصل والتفاعل من الأمور الهامَّة التي يحققها هذا الأسلوب، والذي يُهيِّئ التلاميذ للعمل في المستقبل ضمن أطر تعاونية، وخاصة في هذا العصر الذي أصبح التركيز فيه في العمل ضمن فرق ومجموعات واضحاً وأساسياً.

مزايا التعلُّم التعاوني:

إضافةً إلى الفوائد السابقة يتمتَّع أسلوب التعلُّم التعاوني بالعديد من المزايا، وأهمها إشباع حاجات التلاميذ الأساسية كالحاجة إلى القيام بمهام تتحدى إمكاناتهم؛ أي الحاجة إلى الإنجاز، فهذا النوع من التعلُّم يستحق الجهد الذي يبذله المعلِّم لأن يحقِّق رضى أكبر للتلاميذ، وأيضاً يشبع حاجتهم إلى التقدير وحاجتهم إلى المحبة والانتماء والتعاطف، ويساعد التلاميذ على تنفيذ مهامهم في ظروف مختلفة ومن ثم يشبع حاجتهم إلى التغيير والاختلاف والخروج عن المألوف والعادي.

له في مساعدة التلاميذ ذوي التحصيل المنخفض؛ فهو يجنِّبهم الشعور بالفشل والإخفاق، ومن مزايا أسلوب التعلُّم التعاوني أيضاً مساعدة التلاميذ على تكوين الصداقات؛ وذلك لأنَّه يتيح لهم فرصة التعرُّف إلى بعضهم ويطوِّر مهارات التواصل لديهم ويعلِّمهم كيف يقدمون المساعدة ويدعمون بعضهم ويتعلمون من بعضهم بعضاً، ولن ننسى الدور الكبير لهذا النوع من التعلُّم في زيادة ثقة التلميذ بنفسه وبغيره.

شاهد بالفيديو: 8 صفات يتميّز بها المُعلم الناجح

 

ثالثاً: عناصر التعلُّم التعاوني

يتكوَّن التعلُّم التعاوني من مجموعة من العناصر، وتتمثل فيما يأتي:

  1. الترابط الإيجابي: يجب على أعضاء المجموعة الواحدة أن يعملوا معاً وكأنَّهم شخصٌ واحد؛ فإن فشلوا، فشلوا جميعاً؛ وإن نجحوا، نجحوا جميعاً، وعلى المعلِّم أن يعطي هدفاً جماعياً محدداً وعلى جميع الأفراد بذل الجهد لتحقيقه، وعليهم أن يضعوا في بالهم أنَّ الجهد الذي يبذلونه ليس خاصاً بهم فقط؛ بل هو جهد مقدَّم لخدمة المجموعة؛ وبهذا فقط يتحقق الاعتماد الإيجابي؛ إذ إنَّ الترابط الإيجابي يؤدي إلى نوع من الارتباط بين نجاح الآخرين ونجاح الفرد، وفي الحقيقة هذا هو جوهر التعلُّم التعاوني.
  2. المساءلة الفردية والجماعية: كل فريق أو مجموعة مسؤولة عن أداء مهامها بشكل كامل، ويجب أيضاً أن يكون كل فرد من أفراد هذه المجموعة مسؤولاً عن أداء العمل الموكَل إليه، فليس من العدل أن يأخذ تعب وجهد ونجاح غيره؛ لذلك يجب أن يكون عرضة إلى المُساءلة الفردية التي يخضع إليها عندما تتم عملية تقييم أداء أفراد المجموعة، وفي النهاية تُعاد نتائج هذه التقييمات إلى كلٍّ من الفرد والمجموعة لتقديم الدعم والمساعدة لمن يحتاج إليها لإكمال مهمته.
  3. التفاعل المُعزز: يحدث هذا التفاعل عندما يمدح التلاميذ أداء وجهود بعضهم بعضاً بشكل يُحفِّز ويُشجِّع عملية التعلُّم، ففي هذا الأسلوب من التعلُّم الذي يُعَدُّ نظام دعم تعليمي يكون كل عضو من أعضاء المجموعة مُلزماً بدعم ومساعدة غيره، والكثير من النشاطات المعرفية لا تحدث إلَّا عندما يدعم التلاميذ بعضهم بعضاً.
  4. تعليم الطلاب المهارات الشخصية والاجتماعية: لا تقتصر مجموعات التعلُّم التعاوني على تعلُّم الموضوعات الأكاديمية؛ بل أيضاً التعلُّم التعاوني يساهم في تعلُّم الكثير من المهارات الشخصية والاجتماعية حتى يتمكنوا من الاندماج ضمن المجموعة الواحدة ويشاركوا في العمل الجماعي، فعلى أعضاء المجموعة أن يعرفوا الكثير عن مهارات القيادة الفعَّالة واتِّخاذ القرار والتواصل وإدارة النزاع وغيرها من المهارات الضرورية لنجاح مجموعات التعلُّم التعاوني على الأمد الطويل، وطبعاً تقع على عاتق المعلمين مسؤولية تعليم التلاميذ مهارات العمل الجماعي بشكل فعَّال ودقيق كما يفعلون عند تعليم المهارات التعليمية الأخرى.
  5. التغذية الراجعة: تحتاج كل مجموعة في نهاية عملها إلى مناقشة مدى النجاح في تحقيق الأهداف أو المهام المطلوبة منها، وتقييم عمل الأفراد ووصف مدى مشاركة كل فرد ثم اتِّخاذ القرارات المناسبة بما يخص السلوكات الخاطئة التي يجب تغييرها والسلوكات الجيِّدة التي يجب الاستمرار فيها، ويجب أن تتم عملية تحليل وتفنيد لعملِ أفراد المجموعة؛ وذلك لضمان استمرار عملية التعلُّم.

رابعاً: متى يصبح التعلُّم التعاوني سيِّئاً؟

توجد العديد من العوامل التي تعوق تنفيذ التعلُّم التعاوني بالشكل المطلوب وتبعده عن الهدف المرجو منه وتجعله سيئاً وغير مناسب لتحسين العملية التعليمية، ومن هذه العوامل:

  1. المناخ الصفي: يجب أن يكون المناخ الصفي هادئاً ومنضبطاً حتى يساعد على نجاح العمل التعاوني، الضوضاء والفوضى من الأمور التي تشتت انتباه التلاميذ عن مهامهم وأعمالهم، كما تسبب التوتر داخل غرفة الصف وهذا بالتأكيد سينعكس بشكل سلبي على أداء التلاميذ ومدى تعلُّمهم.
  2. وقت الحصة الدراسية المحدود: يستغرق العمل التعاوني وقتاً أكثر من غيره من الأساليب؛ مما يضطر المعلِّم إلى شغل الحصة الدراسية التالية، وفي كثير من الأحيان تنتهي بعض المجموعات من عملها ومهامها قبل غيرها فتبدأ بالحديث مع المجموعات الأخرى، وفي هذه الحالة وإذا لم يكن المعلِّم متمكناً من إدارة العمل، سوف يصبح التعلُّم التعاوني سيئاً.
  3. حجم الغرفة الصفيَّة ومدى توافقها مع هذا الأسلوب في التعلُّم: إذا لم يكن حجم الغرفة الصفية مناسباً وكان عدد التلاميذ كبيراً، سينعكس هذا سلباً على عملية التعلُّم، وعدد التلاميذ الكبير يُصعِّب على المعلِّم تقسيم الصف إلى مجموعات، ووجود المجموعات الكثيرة يجعل أمر متابعة الجميع وأمر ضبط المجموعات صعباً على المعلِّم.
  4. الدافع: حتى يكون التعلُّم التعاوني ناجحاً يجب على التلاميذ أن يكون لديهم التزام بالعمل وإمكانية القيام بمهامهم معتمدين على أنفسهم، وإلَّا لن يحقق هذا الأسلوب فائدة تُذكر.

سلبيات التعلُّم التعاوني:

في نفس السياق سنعدد أكثر الأمور التي تُعَدُّ سلبيات للتعلُّم التعاوني وتؤثِّر في سير العملية التعليمية:

  1. تعليم المجموعات الصغيرة يُعَدُّ أصعب من تعليم الصف دون تقسيمه؛ وذلك بسبب تعقُّد مشكلات إدارة الصف.
  2. مسايرة التلاميذ لبعضهم بعضاً يُعَدُّ أمراً ضرورياً لنجاح هذا الأسلوب، ولكنَّه في نفس الوقت أمر صعب، كما أنَّ بعض التلاميذ ستكون لديهم طاقة أقل من غيرهم وقدرة منخفضة على العمل، وهذا بالطبع يعوق عمل الفريق.
  3. عدم القدرة على الاندماج: فإذا لم يتمكن أعضاء المجموعة من الاندماج، لن يتمكنوا من التعلُّم، والكثيرون قد يتركون المهمَّة قبل الانتهاء منها.
  4. يخالف التلاميذ ما تعودوا عليه من عمل فردي: وهذا ما يصعِّب العمل الجماعي عليهم، وتطبيق مقولة الفرد من أجل الجميع ليس أمراً سهلاً.
  5. على الطلاب ذوي التحصيل المرتفع إعطاء الإجابات الصحيحة، وعليهم أيضاً تعليم التلاميذ ذوي التحصيل الأقل لتكون العملية أكثر نجاحاً، وهذا أمر صعب ويتطلَّب تطوير العديد من المهارات.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

 

خامساً: دور المعلِّم في التعلُّم التعاوني

المعلِّم اليوم لم يَعُد كما في السابق “المصدر الوحيد للمعلومات والملقِّن للمعرفة”؛ بل تحوَّل إلى مُوجِّه ومُرشد، وفي أسلوب التعلُّم التعاوني، إنَّ المعلِّم هو المخطط وعلى عاتقه تقع مسؤولية التقييم والتنفيذ وتقسيم الصف إلى مجموعات متكافئة ودعم أعضاء المجموعة لتنفيذ المهام التعليمية المُوكلة إليهم، إضافةً إلى تعليمهم المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل وإعطائهم التعليمات الخاصة وقواعد استراتيجيات التعلُّم التعاوني، ويظهر دور المعلِّم في التخطيط من خلال الجوانب الآتية: مراجعة الأهداف وتحديد عدد أفراد كل مجموعة، وتحديد دور كل فرد ضمن المجموعة لتحقيق عنصر الترابط الإيجابي.

في التنفيذ يظهر دور المعلِّم من خلال تحديد مهمات المجموعة الأكاديمية وشرحها، والعمل لضمان التفاعل واستخدام المهارات الاجتماعية في تحقيق الأهداف واختيار السلوكات المناسبة ليظهر التعاون بأفضل شكل بين المجموعات.

من ناحية الدعم، على المعلِّم أن يكون حاضراً دائماً لتقديم المساعدة والإرشاد ومراقبة عمل أفراد المجموعات للتأكُّد من أنَّهم يظهرون تطوراً وأداءً جيداً، أما فيما يتعلَّق بإدارة الصف، فيجب على المعلِّم تنظيم البيئة الصفية حتى تتكيف مع الواقع التعليمي، ويجب أيضاً عليه المساهمة في إنشاء علاقات اجتماعية بين الطلاب وتعليمهم المهارات القيادية وأساسيات العمل الجماعي، وعلى المعلِّم تقييم العمل، والعمل على تصحيح الأخطاء لضمان استمراره وتحسنه.

سادساً: أهداف التعلُّم الجماعي

للتعلُّم الجماعي مجموعة من الأهداف سنذكر أهمها فيما يأتي:

  1. تعليم التلاميذ تحمُّل المسؤولية وإنشاء روح التعاون بينهم.
  2. إفساح المجال لكل تلميذ لإظهار قوَّته العقلية والسماح له بالتعبير عن آرائه بحرية.
  3. تعريف التلاميذ بالطريقة الصحيحة لاتِّخاذ القرارات وحل المشكلات.
  4. تطوير مهارات التواصل لدى التلاميذ.
  5. نشر ثقافة مساعدة الآخرين وتعليم التلاميذ الثقة بأنفسهم وبالآخرين.
  6. المنافسة الشريفة لتفجير طاقات التلاميذ الإبداعية.
  7. اكتساب خبرات جديدة والتعرُّف إلى وجهات نظر الآخرين والاستماع لهم ومناقشتهم بشكل عقلاني ومهذَّب.
  8. تنمية مواهب التلاميذ وتطوير مهارات الاستنتاج لديهم.

في الختام:

استراتيجية التعلُّم التعاوني من الاستراتيجيات التي تجعل التعلُّم أكثر متعة بالنسبة إلى التلاميذ، ومن ثم أكثر فائدة وقدرة على توصيل المعلومات، وفي مقالنا تعرَّفنا إلى هذه الاستراتيجية وأهم فوائدها ومميزاتها وتطرَّقنا أيضاً إلى العيوب الموجودة فيها.

المصادر:

  • 1، 2، 3
  • كتاب الطرائق الخاصة في التدريس جامعة دمشق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى