التدريس والتعلم

استخدام التعلم النشط في التعليم


أصبح التدريس واستراتيجياته وطرائقه محط اهتمام عالمياً، كما أصبح هناك اتفاق شامل؛ كون الهدف الأسمى للتعليم هو تعليم الطلاب باستخدام الطرائق التي يحبونها ويجدون المتعة في التعلم من خلالها، فالتعلم يكون فاعلاً عندما يكون نشاط المتعلم أمراً جوهرياً ومشاركته محورية في العملية التعليمية، بينما يعمل المعلم بصفته موجهاً ومدرباً للتعلم بدلاً من أن يكون ملقِّناً وناقلاً للمعرفة فقط؛ إذ يسود التعاون بين كل من المعلم والمتعلم في الفصل الدراسي ويشتركان معاً في إنجاح أهداف التعليم.

أولاً: ما هو التعلم النشط؟

ظهر مفهوم التعلم النشط في المملكة المتحدة في بداية الثمانينيات وأخذ بالتوسع والانتشار منذ ذلك الحين، والتعلم النشط يركز على المتعلم كونه محور العملية التعليمية، وقد عرَّفه “أحمد جودت سعادة”: “عبارة عن طريقة تعلم وطريقة تعليم في آنٍ واحد؛ إذ يشارك الطلبة في النشاطات والتمرينات والمشاريع بفاعلية كبيرة من خلال بيئة تعليمية غنية متنوعة تسمح لهم بالإصغاء الإيجابي والحوار البنَّاء والمناقشة الثرية والتفكير الواعي والتحليل المستمر والتأمل العميق لكل ما تتم قراءته أو كتابته أو طرحه من مادة دراسية، أو أمور، أو قضايا، أو آراء بين بعضهم بعضاً، مع وجود معلم يشجعهم على تحمل مسؤولية تعليم أنفسهم بأنفسهم تحت إشرافه الدقيق، ويدفعهم إلى تحقيق الأهداف الطموحة للمنهج المدرسي، والتي تركز على بناء الشخصية المتكاملة والإبداعية لطالب اليوم ورجل الغد”.

التعلم النشط عبارة عن إجراءات مخطَّطة بشكل مسبق يقوم المعلم باتباعها وهي بعيدة كل البعد عن استراتيجيات الحفظ الغيبي للمعلومات وأسلوب التلقين الجاف؛ إذ يستخدم أساليب وتقنيات متعددة مثل حل المشكلات والتعلم التعاوني والمحاكاة والمجموعات الصغيرة وتأدية الأدوار ودراسة حالة وسرد القصص، وغير ذلك من الأساليب التي تتيح الفرصة أمام المتعلم للمشاركة الفعالة في النشاطات، وتشجعهم على التفكير بعمق فيما يُعرض عليهم من معلومات، فلا يكتفي الطالب بسماع ما يتم عرضه عليه؛ بل يقوم بعمليات التحليل والتركيب والتقويم من خلال طرح الأسئلة ومناقشتها وكتابة ما يتوصلون إليه من نتائج وتقديم التغذية الراجعة، فالمتعلم يصل إلى المعلومة بنفسه عبر نشاطه الذاتي ومشاركته الإيجابية وبذل المزيد من الجهد واستثمار قدراته والاستفادة من البيئة التعليمية المشجِّعة للتعلم النشط.

ثانياً: أهداف التعليم النشط

  1. تنويع النشاطات التعليمية داخل الفصل الدراسي لتحقيق الأهداف التعليمية والتربوية بأفضل جودة ممكنة.
  2. تشجيع الطلاب على اكتساب المعلومات والمهارات عبر استخدام مهارات التفكير العليا – التحليل والتركيب والتقويم – وحل المشكلات وطرح الأسئلة.
  3. تدريب الطالب على تعليم نفسه بنفسه.
  4. مساعدة الطالب على اكتساب المهارات الاجتماعية، مثل القدرة على العمل ضمن فريق والتفاعل والتواصل الفعال مع المحيط.
  5. تشجيع الأعمال الإبداعية والابتكارية للطالب.
  6. تطوير دافعية المتعلم وتحفيزه نحو بذل الجهد للتعلم.
  7. مساعدة المتعلمين على وضع أهداف تعلمهم بنفسهم ورسم خطة تحقيقها.
  8. التركيز على التغذية الراجعة بحيث يكون دور المعلم دعم الطلبة وتعزيز نجاحهم وليس البحث عن أخطائهم وتحديد نقاط ضعفهم.

شاهد بالفيديو: أفضل 8 استراتيجيات تعلم نشط للناس المشغولين

 

ثالثاً: أهمية استخدام التعلم النشط في التعليم

  1. مراعاة الفروق الفردية، إذ يسمح التعلم النشط للطالب ببناء معارفه انطلاقاً من معارفه الخاصة، ويتيح له الفرصة للسير وفقاً لقدراته وتتلاءم مع أسلوب تعلمه الخاص.
  2. التعلم العميق؛ فهو يتيح التعلم النشط للطلاب الانخراط في عملية التعلم والتعامل مع الكم الكبير واللامحدود من المعارف في هذا العصر؛ إذ يفكرون كيف يتعلمون وماذا يتعلمون مع زيادة مستوى تحملهم للمسؤولية لتعليم أنفسهم.
  3. اكتساب مهارات التفكير العليا، مثل: التحليل والتركيب والملاحظة والتجريب وصولاً إلى الاستنتاج.
  4. تعزيز دافعية التعلم، إذ يساعد التعلم النشط على التخلص من النشاطات التعليمية السلبية والمملة القائمة على الإصغاء، واستبدالها بالنشاطات التي تجعل عملية التعلم محببة وممتعة للطلاب.
  5. ربط التعليم بالواقع، إذ يستطيع المتعلم التحدث عما يتعلمه ويدون نتائجه ويعكسها على واقعه الذي يعيشه بحيث يتوصل إلى حل ذي معنى للقضايا المختلفة.
  6. اكتساب المهارات الاجتماعية، فالتعلم النشط يعزز التعاون وتبادل الأفكار والمشاركة بين المتعلمين؛ وذلك عن طريق العمل معاً وزيادة التفاعل فيما بينهم سواء في النشاطات الصفية أم النشاطات اللاصفية.
  7. زيادة فرصة استبقاء المعرفة عند المتعلمين، فمعرفة المتعلم بأنَّه لن يكون متلقياً؛ بل مشاركاً يدفعه للبحث بشكل مسبق عن المعلومات لتعزيز معارفه عن الموضوع.
  8. الوعي، إذ يتسم الطلاب في الصفوف التي تعتمد على التعلم النشط بعمق التفكير واليقظة والتركيز والاجتهاد وأدائهم للأشياء بطريقة مثيرة للدهشة والإعجاب.
  9. زيادة التحصيل العلمي للطلاب بالإضافة إلى بقاء أثر التعلم والاحتفاظ بالمعلومات والمعارف مدة طويلة.

رابعاً: استراتيجيات التعلم النشط

تُعرف الاستراتيجيات بأنَّها إجراءات أو أدوات محددة يقوم المعلم باستخدامها لمساعدة المتعلم على تحقيق الاندماج في عملية التعلم عبر قيامه بمجموعة من المهام في الموقف التعليمي، ويُشترط لنجاح هذه الاستراتيجيات استخدامها في الوقت المناسب، ووضع الأهداف البسيطة والواضحة، ومناسبة النشاطات المختارة للمناهج التعليمية، بالإضافة إلى ضرورة قيام المعلم بتوزيع المهام على التلاميذ بشكل جيد.

من أبرز هذه الاستراتيجيات:

1. استراتيجية العصف الذهني:

العصف الذهني عبارة عن طريقة لتوليد الأفكار الإبداعية تهدف إلى دفع المتعلم لطرح أكبر عدد ممكن من الأفكار الجديدة والفريدة المتعلقة بموضوع واحد؛ إذ يشارك فيها جميع أفراد الصف الدراسي، ويتم قبول جميع الأفكار ومن ثم مناقشتها.

2. استراتيجية حل المشكلات:

يتم وضع المتعلم فيها أمام مشكلة حقيقة يسعى إلى حلها من خلال ما لديه من معارف وخبرات سابقة أو معلومات يقوم بجمعها باتباع خطوات مرتبة مشابهة لخطوات البحث العلمي.

3. استراتيجية السؤال والجواب في أزواج:

يتم تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة تحتوي كل مجموعة على تلميذين؛ بحيث يقوم التلميذ الأول بطرح السؤال ويقوم التلميذ الثاني بالإجابة، ومن ثم يتم تبادل الأدوار بينهما، ومن ثم يقومان بإعداد تقرير نهائي لما دار بينهما.

4. الخريطة المعرفية:

هي عبارة عن رسم مخطط يتم من خلاله ترتيب المعلومات والأفكار الرئيسة للنص، وتساعد هذه الطريقة على ربط الخبرات الجديدة بالخبرات القديمة للمتعلم.

5. استراتيجية المقارنة:

تقوم على توضيح أوجه الشبه والاختلاف من خلال الاعتماد على الملاحظة؛ إذ يتم تقسيم التلاميذ إلى مجموعات ثنائية، ويقوم كل تلميذ بمناقشة مجموعته، ومن ثم قيام المجموعات بتبادل الآراء المتعلقة بالنتائج التي توصلوا إليها، ومن ثم إصدار نتيجة نهائية لموضوع النقاش.

6. التقارير اليومية:

تعتمد على قيام التلاميذ بإعداد ملخص أو تقرير ختامي عن موضوع الدرس، وتتضمن أهم الأفكار التي وردت فيه وربطها مع بعضها وتنظيمها وتصنيفها بطريقة جذابة.

7. التعلم التعاوني:

تهدف هذه الاستراتيجية إلى تربية الفرد ليكون عضواً في جماعة والابتعاد عن كونه فرداً؛ إذ يتفاعل الفرد ضمن مجموعة لاكتساب المعرفة.

8. استراتيجية استخدام الوسائل البصرية:

تتعدد هذه الوسائل بين المجلات والكتب واللوحات التعليمية والعروض التقديمية والأفلام؛ إذ يوجد عدد كبير من التلاميذ الذين يفضلون التعلم البصري.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

 

خامساً: معوقات استخدام التعلم النشط

  1. مقاومة التغيير، فتطبيق التعلم النشط يتطلب نقل مركز الاهتمام من المعلم للمتعلم، والابتعاد عن طرائق التدريس التقليدية؛ لذا ربما تظهر مقاومة لذلك بسبب تمسك بعضهم بالطرائق التقليدية، أو لعدم وجود حوافز كافية للمعلمين لإجراء ما يلزم من تغييرات.
  2. ضيق وقت الحصة الدرسية والحاجة إلى التخطيط المسبق.
  3. يصعب تطبيقه في حالة الصفوف ذات الأعداد الكبيرة من التلاميذ.
  4. نقص مهارات المعلم وعدم قدرته على إدارة الصف كما يجب.
  5. تمسك المتعلم بالأساليب التقليدية التي تعتمد على المعلم؛ بسبب الراحة التي تمنحه إياه هذه الطرائق.

في الختام:

تختلف الطرائق التي تُبنى فيها المناهج التعليمية، لكن مهما كانت الطريقة التي بُنيت من خلالها تلك المناهج يبقى الهدف منها واحداً وهو النمو الجسمي والنفسي والعقلي والعاطفي والاجتماعي للطالب؛ ولذلك فقد لاقت أساليب التعلم النشط في السنوات الأخيرة ترحيباً كبيراً من قِبل العاملين في ميدان التربية والتعليم ومن قِبل الآباء والمتعلمين أيضاً.

إنَّ استخدام التعلم النشط، نقل المتعلم من حالة الملل التي تسببها طرائق التعليم التقليدية إلى حالة الاستمتاع بالتعليم واكتساب المعارف والخبرات في وقت واحد؛ وذلك عبر القيام بنشاطات وفعاليات وممارسات يجابية يغرق فيها الطالب في محاولة إظهار إمكاناته والارتقاء بها.

المصادر:

  • ليون محمد صالح الثبيت، دراسة تحليلية لتطبيق التعلم النشط في مؤسسات التعليم قبل الجامعي بالمملكة العربية السعودية، مجلة كلية التربية، جامعة الازهر، العدد 185 الجزء الثالث، 2020
  • فاطمة بنت خلف الله عمير الزابدي، أثر التعلم النشط في تنمية التفكير الابتكاري والتحصيل الدراسي بمادة العلوم لدى طالبات الصف الثالث المتوسط بالمدارس الحكومية بمدينة مكة المكرمة، كلية التربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية.
  • فعالية استخدام بعض استراتيجيات التعلم النشط في تحصيل العلوم وتنمية بعض مهارات التعلم مدى الحياة والاتجاه نحو التعلم النشط لدى تلاميذ الصف السادس الابتدائي بالمملكة العربية السعودية، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد 162 الجزء الثالث، 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى