التدريس والتعلم

الرحلات الافتراضية: خيار جيد في التعليم


بناءً على ذلك تغيرت النظرة إلى دور كل من المعلم والمتعلم في العملية التعليمية بحيث أصبح المعلم ناقل المعرفة وموجهاً لها فقط، بينما أصبح المتعلم محور ومرتكز هذه العملية في ضوء هذا التغيير وبروز الحاجة إلى الابتعاد عن الأساليب التقليدية المعروفة في التعليم واللجوء إلى المعرفة التكنولوجية وتطبيقاتها واستخدامها في حل مشكلات العملية التعليمية.

على الرغم من أهمية الرحلات التعليمية الحية في تحقيق أهداف التعليم إلا أنَّها تواجه العديد من الصعوبات التي تعوق نجاحها وإقامتها، ومن تلك العقبات عنصري السلامة والأمن، فلا يغيب عن ذهن أحد في مجتمعنا العربي اليوم كمية المخاطر التي تحدق بالفرد نتيجة الأوضاع الأمنية التي تمر بها البلاد العربية اليوم، ناهيك عن أنَّ هذه الرحلات تحتاج إلى دعم مادي غالباً لا يكون موجوداً، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى بعض الأماكن أو وجودها في دول أخرى لا يمكن زيارتها.

لذا كان لا بد من البحث عن بديل مثالي للرحلات التعليمية التقليدية نستطيع من خلاله تحقيق الفائدة من المادة العلمية الموجودة ضمن المناهج ونتلافى بواسطته مساوئ الرحلات التقليدية، فبرز الحل البديل باستخدام الرحلات الافتراضية التعليمية؛ إذ تحاول اليوم المؤسسات التعليمية استثمار بيئة الإنترنت وأدواته المختلفة في التعليم لإنشاء بيئة تفاعلية أكثر نشاطاً تسهم في الابتعاد عن التلقين وتنمي مهارات التفكير المنطقي لدى التلاميذ.

أولاً: مفهوم الرحلات التعليمية الافتراضية

تُعرَف بيئة التعلم الافتراضي بأنَّها: “حزمة برمجية تقدَّم من خلال الحاسوب والشبكات، وتمثل بيئة تعليمية إلكترونية متكاملة لإنشاء المحتوى التعليمي وإدارته وإدارة المتعلم وعمليات التعلم وأحداثه ونشاطاته وتفاعلاته وعمليات التقييم، وتساعد المتعلمين على إنشاء المحتوى التعليمي وتوصيله وإدارته، وتمكِّن المتعلمين والمعلمين من الاتصال والتفاعل والتشارك سواء أكان بطريقة متزامنة أم غير متزامنة، وتقديم التوجيه والدعم التعليمي والفني”.

تُعرَف الرحلات الافتراضية أو كما يسميها بعض الناس الرحلات المعرفية عبر الإنترنت بأنَّها نشاط تربوي يعتمد على البحث والتقصي على المعلومات بواسطة استخدام مصادر محددة بشكل مسبق على شبكة الإنترنت بأقل جهد ووقت ممكن.

لقد بدأت فكرة الرحلات المعرفية باستخدام الإنترنت في عام 1995 في جامعة “سان دييغو” في “كاليفورنيا” في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ ذلك الحين أخذت تنتشر في باقي دول العالم شيئاً فشيئاً بوصفها استراتيجية حديثة في التدريس تعتمد على الشبكة العنكبوتية، وتتيح هذه الطريقة للطالب استخدام مهارات التفكير المنطقي مثل التحليل والتركيب والتقييم في استكشاف المعلومات واستنتاجها، وتهدف إلى البحث عن حلول للأسئلة أو المشكلات الحقيقية غير المصطنعة والتعامل مع المصادر الحقيقية للمعلومات وليس المصادر الثانوية.

إذاً فالرحلات الافتراضية تحتوي على مادة معرفية متصلة بالمنهاج الدراسي وتعتمد اعتماداً كلياً أو جزئياً على المصادر الإلكترونية الموجودة على الويب والمنتقاة مسبقاً؛ إذ تركز على البحث وتنمية القدرات الذهنية للطلاب وتحقيق التعلم ذي المعنى، كما يستطيع الطالب من خلالها زيارة كافة الأماكن والبلدان حول العالم ضمن بيئة مشوقة وممتعة وآمنة كذلك وبما يكفل تحقيق أهداف العملية التعليمية.

شاهد بالفيديو: ما هي إيجابيات التعليم عن بعد للأطفال؟

 

ثانياً: مكونات الرحلة الافتراضية التعليمية

تنقسم الرحلات التعليمية الافتراضية إلى نوعين هما الرحلات التعليمية قصيرة الأمد والرحلات التعليمة طويلة الأمد، وتتكون الرحلة التعليمية الافتراضية من:

1. المقدمة:

إذ يعمد المعلم إلى التمهيد للدرس وإعطاء المتعلم فكرة عن محتوى الدرس وموضوعه الأساسي، والهدف الرئيس من هذه الخطوة هو جذب اهتمام المتعلم وتركيز انتباهه.

2. المهام:

إذ يقوم المعلم بتوضيح المهام المطلوبة من المتعلمين والنشاطات التي يتعين عليهم إنجازها من خلال الرحلة التعليمية الافتراضية.

3. المصادر:

يقدم المعلم هنا مجموعة متنوعة من مصادر التعلم الموجودة عبر الشبكة العنكبوتية التي يجب على الطالب زيارتها لإتمام المهام التي طُلِبت منه.

4. النشاط:

يتم وصف الخطوات التفصيلية والاستراتيجيات بالإضافة إلى أساليب التقييم.

5. التقييم:

يتم قيام كل متعلم بتقييم عمله من حيث طريقة بحثه والتعاون من الزملاء وتقييم آرائهم.

6. النتائج:

تتضمن الغايات التربوية المستهدفة من الرحلة التعليمية والتي يتوقع من المتعلم تحصيلها في نهاية الرحلة التعليمية.

7. الخاتمة:

تعني تقديم ملخص عام لمجريات الرحلة التعليمية الافتراضية والدروس المستخلصة والمستفادة منها.

ثالثاً: مزايا استخدام الرحلات الافتراضية

1. قلة التكاليف المادية مقارنة بالرحلات التعليمية التقليدية:

تتطلب الرحلات التقليدية تكاليف ونفقات مادية تُعَدُّ باهظة نوعاً ما، وغالباً لا تستطيع المدارس تحمل هذه النفقات لأنَّها مؤسسات مستهلِكة وغير منتجة مادياً، بخلاف الرحلة الافتراضية التي تُعَدُّ منخفضة التكلفة.

2. الوصول إلى أماكن يصعب الوصول إليها في الواقع:

يصعب الوصول إلى الأماكن التي تقع في الدول الأخرى أو المناطق التي تحتوي على المخاطر كوجود البراكين أو الجبال العالية، وأماكن أخرى يُعَدُّ من الصعب اصطحاب الطلاب إليها كالفضاء مثلاً.

3. بيئة الرحلات الافتراضية هي بيئة آمنة:

في الحقيقة حتى لو توفرت للمدرسة عوامل نجاح إجراء رحلة تعليمية تقليدية بما فيها الوقت والتكاليف، تبقى ثمة مشكلة السلامة والأمن التي لا تستطيع المدرسة تقديم الضمان لها؛ لذا نجد الكثير من أهالي الطلاب يرفضون إرسال أبنائهم في هذه الرحلات خوفاً على سلامتهم، فإنَّ الرحلة الافتراضية خيار جيد لخلوها من هذه المخاطر وبنفس الوقت تستطيع إمداد الطالب بالخبرة والمعرفة المستهدفة.

4. متعة التعلم:

من خلال الرحلة الافتراضية سوف يتمكن الطالب من مشاهدة المقاطع الحية للأماكن ورؤيتها كما هي فعلاً بصورة واضحة بعيداً عن الصور الموجودة في الكتب التي تكون في الغالب غير واضحة والمجزَّأة ولا تعطي فكرة كلية عن الواقع.

5. وسيلة ترفيهية لطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة:

لا يستطيع الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة القيام بالرحلات التعليمة التقليدية حتى لو توفرت؛ وذلك بسبب وضعهم الصحي؛ لذلك تُعَدُّ الرحلة الافتراضية حلاً مناسباً لهم، بالإضافة إلى تحقيقها عنصر المتعة بالنسبة إليهم؛ إذ توفر لهم فرصة رؤية ما لا يستطيعون رؤيته وحدهم.

شاهد بالفيديو: أهمية التعليم عن بعد

 

6. توفير بيئة تعلُّم متكافئة لجميع الطلاب:

إذ تكون فرصة التعلم من خلال الرحلة الافتراضية متاحة للجميع على قدم المساواة، بخلاف الرحلة التقليدية التي ربما لا يستطيع جميع الطلاب الذهاب إليها، ومن ثمَّ سيكون ثمة تفاوت في الخبرات والمهارات بين الطلاب.

7. تنمية روح البحث وتشجيع التفكير العلمي:

إذ تعمل هذه الرحلات على تحفيز تفكير الطالب وتدفعه لإعمال العقل من أجل اكتشاف الحقائق المجهولة أو البرهنة والتثبت من حقيقة معروفة.

8. استخدام الرحلات الافتراضية يسهم في تجاوز مشكلة ضيق الوقت:

إذ توفر الكثير من الوقت الذي كان يبذله المعلم في محاولة شرح المعلومات المطلوبة التي غالباً ما تكون غير مرئية ويحاول المعلم تصويرها في خيال الطلاب خلال الحصة الدرسية.

9. مراعاة الفروق الفردية:

فمن المعروف أنَّ الصف الواحد يحتوي على مستويات مختلفة من الطلاب، فهناك المتميز الذي يحصل على المعلومة من أول مرة تُذكَر أمامه، وهناك المتوسط والضعيف اللذين يحتاجان إلى أكثر من مرة لاستيعاب المطلوب؛ لذا فإنَّ الرحلة الافتراضية تستطيع تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم بحيث تمكِّن كل طالب بالتعلم وفقاً لسرعته الذاتية.

10. تدعم العمل الجماعي:

إذ يمكن لجميع الطلاب مشاهدة محتوى الرحلة ومن ثم مناقشة الملاحظات التي تم تدوينها وتبادل الآراء وطرح الاستفسارات حولها والإجابة عنها من قِبل المعلم وتقييم إجابات الطلاب.

ومن مزايا استخدام الرحلات الافتراضية نذكر أيضاً: 

  • إعطاء التعليم الصبغة العالمية والخروج من الإطار المحلي.
  • الرحلات الافتراضية تدفع بالمتعلم لاستخدام جميع حواسه في التعلم إذ يندمج بالتعلم وكأنَّه موجود في البيئة الحقيقية.
  • تكرار الرحلة أكثر من مرة حتى يتم التأكد من استيعاب المتعلمين للمعلومات المتوخاة منها يمكن التحكم بعامل الوقت والسرعة ويستطيع المتعلم تسجيل ملاحظاته بدقة.
  • إمكانية تغطية كامل معلومات المقرر الدراسي لا سيما مواد العلوم الاجتماعية كالجغرافيا والتاريخ برحلات تفاعلية وهذا يصعب تحقيقه دون هذا النوع من الرحلات.
  • تؤمِّن القنوات التعليمية الآمنة للطلاب التي يستطيعون اعتمادها بشكل موثوق والتوجه إليها حين يحتاجون إلى المعلومات.

في الختام:

ساهمت التكنولوجيا في تلاشي الحدود الزمانية والمكانية، كما غيرت من طريقة تفكير الإنسان وأسلوب حياته ومعيشته، وأصبح لزاماً على المناهج التعليمية مجاراة هذا التقدم وتحديث محتواها وأساليب تدريسها بما يتلاءم مع هذه التغيرات.

ومن ثمَّ فإنَّ استخدام التعلم الإلكتروني في التعليم مطلب ضروري ولا بديل عنه في ظل هذا التقدم الحاصل في العالم اليوم ولما له من مزايا مثل تحسين المستوى العلمي واختصار الوقت وتخفيض التكاليف وتقليل الجهد، ناهيك عن توفير بيئة التعلم المشوِّقة والمحبَّبة للطلاب التي تبعدهم عن الملل وتُشعرهم بالمتعة، بالإضافة إلى بقاء أثر المعلومات والمعارف المتعلمة وقتاً أطول في الذاكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى