التدريس والتعلم

مواصفات المعلم الرقمي الناجح


مع تطور التكنولوجيا والتغيرات الكبيرة الحاصلة حول العالم، لم تعد العملية التعليمية تتطلب وجود المعلم والتلاميذ في صف واحد ضمن مدرسة وجهاً لوجه؛ بل أصبحت أساليب التربية والتعليم حديثة، وفرضت أدواراً جديدة على المعلمين؛ وذلك نتيجة الدمج الحاصل بين تكنولوجيا المعلومات والتعليم وأساليبه التقليدية، فأصبح بإمكان الفرد التعلم وهو جالس في منزله، واتِّباع نمط مناسب له من أنماط التعليم الإلكتروني، أو كما يسمى “التعليم عن بُعد” بما يتناسب مع ظروف حياته.

أما المعلم فأصبح اسمه “معلماً رقمياً”، وأصبح يحتاج إلى مهارات أكثر من مهاراته التي تعلمها سابقاً، ليصبح جديراً بالقيام بمهمة التعليم عن بُعد، ويواكب التطورات المتسارعة واللامتناهية التي تؤثر في جميع جوانب حياتنا، فما هي مهمة المعلم الرقمي؟ وما هي المواصفات التي تجعل منه معلماً رقمياً ناجحاً وقادراً على تحقيق الأهداف التعليمية بأفضل صورة؟ مقالنا الحالي سيجيب عن تلك الأسئلة التي كثر التساؤل عنها، تزامناً مع كثرة اعتماد التعليم الإلكتروني في عالمنا العربي كسائر أنحاء العالم.

المعلم الرقمي:

هو الشخص الذي يملك قدرات ومهارات تمكِّنه من تدريس المواد النظرية والعملية ضمن مجتمع رقمي، ودون حضور فعلي للطلاب، أو بالاكتفاء بوجود الطلاب أمام شاشة الحاسوب والتفاعل معه من خلاله فقط؛ إذ يقوم بدور الشارح للمواد بعد دمج خبراته في التعليم مع التقنيات الحديثة، فيلبي احتياجات الطلاب، ويحفزهم على الدراسة وحل الواجبات وإنجاز المهام والأبحاث، وكأنَّه موجود معهم؛ لذلك يمكننا عدُّ مهمته بصفته معلماً رقمياً أكبر من مهمة المدرس التقليدي وأصعب في كثير من الأحيان.

مواصفات المعلم الرقمي الناجح:

العصر الرقمي فرض على المعلم أن يكون مزوداً بمهارات جديدة، وأبعده قليلاً عن مهمته التقليدية وهي تلقين المعلومات للطلاب، لذلك كي يكون المعلم الرقمي ناجحاً، عليه التحلي بما يأتي:

1. المعرفة الكافية:

في السابق كان من الكافي حصول الفرد على شهادة جامعية في تخصص ما لإثبات قدرته على التعليم وتحقيق الأهداف التربوية المختلفة أيضاً، لكن في العصر الرقمي لا تعد الشهادة الجامعية معرفة كافية تسمح للفرد بأن يكون معلماً رقمياً؛ بل عليه إثبات جدارته في استخدام الحواسيب المحمولة والألواح (التابلت) والهواتف الذكية، ومعرفة كافية بتطبيقات الإنترنت المتنوعة وبأنماط واستراتيجيات التعليم عن بُعد، فمن الضروري أن يكون حاصلاً على شهادة تثبت إلمامه بكل ما سبق، وبالطبع يحتاج ذلك إلى كثير من التدريب.

مثلاً من النقاط التي يجب أن يتعلمها المعلم الرقمي هي كيفية تقديم المحتوى للطلاب، فالتقديم الشخصي يحتاج إلى التدريب المستمر على كيفية استخدام الكاميرا والتعامل معها بشكل يترك أثراً في المشاهد، وحتى التقديم بواسطة العرض التقديمي يحتاج إلى تدريب جيد ليكون العرض بأفضل شكل، ويشمل ذلك التدرب على كيفية إدراج صورة أو رموز رياضية أو مقطع صوت أو فيديو أو ملف، وما شابه ذلك من الأشياء التي توضح المعلومات للطلبة.

2. الانفتاح والتفكير خارج الصندوق:

كما قلنا آنفاً التغيرات والتطورات متسارعة جداً في مجال التكنولوجيا، وكل يوم يوجد تطور بأمر معين؛ لذلك عملية التعليم عن بُعد متطورة باستمرار أيضاً، ومن ثم ليكون المعلم الرقمي ناجحاً يجب أن يفكر تفكيراً مبدعاً، بحيث يتابع كافة التطورات ويحاول تعلم كل الطرائق الجديدة؛ بل عليه أيضاً تشجيع الطلبة على التطور وتقبُّل كافة المستجدات والاستفادة منها قدر الإمكان؛ وذلك لأنَّها تصب في مصلحتهم بالدرجة الأولى، فالتحجر والانغلاق يتسبب بفشل المعلم الرقمي في مهنته، كما يتسبب في فشل الطالب في التحصيل الدراسي وتحقيق الأحلام.

شاهد الفيديو: 8 طرق للتفكير خارج الصندوق

 

3. التواصل الفعال:

التعليم عن بُعد يتطلب قدرة عالية على التواصل الفعال مع الطلبة، وخاصة إن كان التعليم الرقمي يتم بشكل مباشر؛ إذ يتم شرح المواد بواسطة اتصال فيديو بين الطلاب والمدرس، وحينها يفضل أن يقوم المعلم الرقمي بالترحيب بالطلاب لبناء علاقة جيدة معهم، فيشعر أنَّهم واثقون فيه.

أيضاً يتطلب منه الإجابة عن مختلف الأسئلة التي يتم طرحها مباشرة والقادرة على التواصل مع مختلف النماذج؛ وذلك لأنَّ التعليم عن بُعد يفرض على المعلم الرقمي شرح معلوماته لفئات مختلفة من الطلاب، ومن بيئات وبلدان مختلفة، وربما يتكلمون بلهجات أو لغات مختلفة، بخلاف ما اعتدنا عليه في المدارس؛ إذ يكون الطلاب في الصف من نفس المدينة مثلاً أو على الأقل من نفس الدولة، فلا يجد المدرس صعوبة بالتعامل معهم، ولكنَّ الأمر هنا مختلف، ومن ثم يجب أن يكون أسلوب المعلم الرقمي الناجح في التواصل مختلفاً.

4. المرونة العالية:

على الرغم من التطورات الكبيرة التي تشهدها التكنولوجيا، إلا أنَّ التعليم عن بُعد لا يخلو من وجود مشكلات طارئة يتعرض لها المعلمون، مثل انقطاع الصوت بشكل مفاجئ أو غياب الصورة أو ضياع بحث أو ملف معين، وقد يحدث انقطاع كامل للإنترنت فينقطع الاتصال مع الطلبة بشكل نهائي ريثما يتم إصلاح العطل الحاصل أو الخطأ.

لذلك المعلم الرقمي الناجح عليه التحلي بالهدوء والمرونة الكافية، ليصبر عند حدوث مشكلة في الاتصال في أثناء الشرح أو تحميل المحاضرات والدروس بعد تسجيلها، ومحاولة إيجاد أفضل الحلول بالتعاون مع الإدارة، ويفضل أن يكون التواصل مع الإدارة جيداً ومستمراً، ليكون على اطلاع على كافة المشكلات الحاصلة ليتم حلها بأفضل شكل.

5. التنظيم الكافي:

يتطلب التعليم عن بُعد من المعلم الرقمي تنظيماً كافياً للعملية التعليمية، بحيث يقوم مسبقاً بتحديد النقاط الأساسية التي سيقوم بشرحها والطريقة الأنسب لشرح تلك المعلومات؛ وذلك لأنَّ الوقوع في أي خطأ يعد أمراً محرجاً، فغالباً ستكون المحاضرات مسجلة ليستطيع الطالب العودة إليها ومشاهدتها لاحقاً، لتحقيق أكبر استفادة من الدروس الملقاة، ومن ثم التراجع عن الأخطاء صعب جداً، والأفضل محاولة تفاديها بالتنظيم والتدريب المسبق.

6. المتابعة الدائمة:

من الضروري متابعة المعلم الرقمي للأسئلة التي يتم طرحها من قِبل الطلبة، فعند اتباع طريقة التعليم عن بُعد غير المباشرة، لا يحدث اتصال مباشر مع الطلبة، ومن ثم لا يمكن معرفة الأسئلة التي تدور في أذهانهم وتمنعهم من فهم المعلومات المقدمة بأفضل شكل؛ لذلك على المعلم الرقمي متابعة وسائل التواصل المحددة، لقراءة الأسئلة ومحاولة الإجابة عن أكبر قدر منها، أو محاولة تزويد الطالب بالطرائق التي تصل به إلى الإجابة عن أسئلته بنفسه، لمنع وقوع الطالب في لغط يتسبب بعدم نجاحه مثلاً.

7. إدارة الوقت:

عندما يكون الاتصال مباشراً بين المعلم الرقمي والطلبة، يجب أن يتحلى المعلم الرقمي بقدرة على إدارة الوقت، بحيث يقوم بمختلف مهامه معاً، من شرح للمعلومات واستماع جيد لأسئلة الطلبة وتقديم إجابات صحيحة ضمن الوقت المخصص للدرس.

8. القدرة على تحفيز الطلبة:

الجلوس أمام شاشة الحاسوب ومتابعة شرح المعلم الرقمي للمواد النظرية أو العلمية أمر ممل لكثير من الطلبة؛ لذلك يجب أن يكون أسلوب المعلم الرقمي محفزاً لهم ولافتاً للانتباه يبعدهم عن الملل؛ بل يشعرهم بالمتعة والجذب لحضور مزيد من المحاضرات، ويتطلب ذلك من المعلم الرقمي تدريباً كبيراً وتجريب أشياء جديدة باستمرار وأساليب متنوعة لإيصال المعلومات للطلبة.

9. القدرة على إنجاز اختبار رقمي:

تختلف الاختبارات في التعليم عن بُعد كثيراً عن الاختبارات في الواقع؛ لذلك على المعلم الرقمي التدرب على كيفية إنجاز اختبار رقمي، ليتمكن من وضع تقييم دقيق للطلبة والحكم على جودة التطبيقات والأدوات المستخدمة في التعليم عن بُعد.

10. احترام خصوصية الآخرين:

سيتعامل المعلم الرقمي مع الطلبة ويطلع على معلوماتهم الشخصية وبياناتهم؛ لذلك من الضروري احترام الحياة الخاصة لكل فرد يتعامل معه، كما هو الحال في الحياة الواقعية، فلا يتصرف بأي شكل مسيء لشخص يختلف مع أفكاره الاجتماعية أو السياسية أو غير ذلك؛ بل يتعامل بطريقة قانونية ومسؤولة اجتماعياً، فلا يتطرق إلى موضوعات تثير الجدل، ولا يدخل في نقاش مع أحد لا يتعلق بالمعلومات التي يتم شرحها.

في الختام:

التطور التكنولوجي فرض نوعاً جديداً من التعليم باستخدام الإنترنت، ومن ثم أصبح دور المعلم أصعب من السابق، فالعبء الأكبر في العملية التعليمية يقع على عاتقه دائماً؛ لذلك لينجح المعلم بدوره بصفته معلماً رقمياً، من الضروري تمتعه بمواصفات معينة، فلا يمكن الاكتفاء بالحصول على شهادة جامعية في تخصص ما؛ بل يجب تعلم كيفية التعامل مع الحاسوب وتطبيقات الإنترنت بأفضل شكل.

كما يجب الحصول على شهادة تثبت معرفته باستراتيجيات التعليم عن بُعد، ونظراً لكون عملية التعليم الرقمية متطورة باستمرار، فيجب أن يكون المعلم الرقمي متصفاً بالتفكير الإبداعي، ومنفتحاً على مختلف التغيرات، ومحفزاً لغيره على تقبلها أيضاً.

على الرغم من التطورات الكبيرة، فإنَّ المعلم الرقمي معرَّض لمواجهة العديد من المشكلات في أثناء القيام بعمله، وعليه التعامل معها بمرونة، وعليه أيضاً تنظيم معلوماته وتقديمها بأسلوب محفز للطلبة ودون هدر للوقت، إضافة إلى قدرته على التواصل الفعال مع الطلبة لبناء علاقة قوية معهم فيحصل على ثقتهم، وكل ما سبق يتطلب منه الصبر والهدوء والتواصل الدائم مع الإدارة لحل مختلف المشكلات التي تواجه التعليم الرقمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى