التدريس والتعلم

التعليم التعاوني: تشجيع العمل التعاوني للطلاب


التعليم التعاوني، هو نموذج يركز على التعلم العملي وتعزيز التفاعل والتواصل بين الطلاب فيما بينهم من جهة ومع المعلم من جهة ثانية، ينشئ بيئة تشبه مزيج الأصوات المتنوعة في أوركسترا، فيثير تناغماً بين الطلاب، ويجمع جهودهم لإنتاج تجربة تعليمية متميزة، فما هو التعليم التعاوني وما هي أنواعه وما هو الدور الذي ينبغي على المعلم القيام به خلال تطبيقه، كل هذا وأكثر سنناقشه في المقال الآتي.

تعريف التعليم التعاوني:

التعليم التعاوني، هو نهج تدريسي يستخدم المبادئ والاستراتيجيات التعاونية لتسهيل عملية التعلم، ويعتمد هذا النهج على تشجيع التعاون والتفاعل بين المعلم والطلاب وبين الطلاب أنفسهم، ويتضمن أيضاً استخدام نشاطات جماعية والتعاون في حل المشكلات وممارسة مهارات التواصل والتعاون بين الطلاب.

النشاطات في التعليم التعاوني: مصدرها وكيف تدار المجموعات في هذا النوع من التعليم؟

عموماً يعتمد المعلم على مصادر متنوعة لاكتساب المعرفة والمواد اللازمة للتدريس، ويستقي المعلم هذه النشاطات من المناهج الدراسية، أو من الخبرة الشخصية ومن الدراسات والأبحاث العلمية والدورات التدريبية، وفيها يتشارك الطلاب العمل والتنفيذ، ويتخذ خطوات لإدارة هذه النشاطات، فبعد أن يحدد الأهداف التعليمية التي تكون واضحة وقابلة للقياس، يقسم الطلاب إلى مجموعات متفاوتة بالمستويات؛ أي ضمن المجموعة الواحدة قد يتراوح مستوى التلاميذ من الضعيف حتى المتميز، وهنا تكمن أهمية المجموعة فيساعدون بعضهم بعضاً من خلال الحوار وتبادل الخبرات، وكل مجموعة تتألف من 2 إلى 6 طلاب تقريباً، وذلك بحسب أعداد الطلاب بالصف، في هذه المجموعات يجب تحقيق الهدف المرجو من الدرس، ولا يحق لأحد من الأفراد التقاعس، فهذا يعرضهم للمساءلة والمحاسبة التي تتم عن طريق التقييم للمجموعة، فالجميع مسؤول في مجموعته عن فشلها أو نجاحها.

أنواع التعليم التعاوني:

في عالمنا اليوم، يعد التعليم التعاوني واحداً من أهم وسائل نقل المعرفة وتطوير المهارات، ويتيح للطلاب التعلم من خلال العمل معاً بصفتهم فريقاً واحداً، ومشاركة المعرفة والخبرات مع بعضهم بعضاً، وتوجد عدة أنواع للتعليم التعاوني ولكل نوع طريقة تطبيق، ومن ذلك:

1. تعليم المجموعات الصغيرة:

تتولى هذه المجموعات العمل معاً لحل المشكلة والتفاعل مع المعلومات، ويمكن للطلاب هنا مناقشة الأفكار وتبادل المعرفة بشكل أكثر تفصيلاً في هذا السياق، على سبيل المثال، في درس الرياضيات، يمكن لمجموعة صغيرة من الطلاب أن تتعاون لحل مشكلات رياضية معقدة معاً.

2. تعليم المشاريع:

ينتظم الطلاب في مجموعات وينفِّذون مشروعاً مشتركاً يحتاج إلى التعاون والتفاعُل.

3. التعلُّم النشط:

يركز هذا النوع من التعليم على دور الطالب في عملية التعلم، فيشجع الطلاب على المشاركة الفعَّالة في الدروس من خلال مناقشة المواد، وطرح الأسئلة، وإجراء الأبحاث الشخصية، على سبيل المثال، يمكن للطلاب في درس تاريخ “دراسة حروب العالم الأولى” أن يناقشوا الأسباب والتداعيات ويقدِّموا تحليلهم الشخصي.

4. التعليم التعاوني عبر الإنترنت:

يمكن للطلاب التعاون عبر منصات التعلم عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى من خلال الفصول الافتراضية، على سبيل المثال، يمكن لمجموعة من الطلاب استخدام تطبيقات الفيديو المشتركة لمناقشة دروس أو مشاركة ملفَّات ومواد تعليمية.

دور المعلم في التعليم التعاوني:

لقد عرفنا المعلم سيد الصف في التعليم التقليدي، أما في التعليم التعاوني فأصبح متعدد المهام التي لا تقتصر عليه وحده، فهنا البيئة تفاعلية، يؤدي المعلم دور المنظم والمشرف للبيئة التعليمية فهو يختار الدروس المناسبة للتعليم التعاوني، ويرتب الطاولات، ويختار أفراد الفرق بحيث تكون غير متجانسة، ويعطي كل طالب دوراً محدداً، فمنهم القائد والمقرر والملخص والمشجع، وفي أثناء العمل؛ أي الدرس يحدد الأهداف التي ستتحقق في الدرس، ويحدد المصادر والإرشادات اللازمة لسير العمل.

كما أنَّ المعلم يتفقد المجموعات ويمدهم بالتغذية الراجعة ويناقشهم ويتابعهم ويشاركهم بالعمل؛ من خلال التلميح إلى الأفكار وتقريب المعلومات إلى أذهانهم، ويسجل ملاحظاته عن أداء كل مجموعة وكل طالب، ويقارن النتائج بين المجموعات ومع الدروس السابقة؛ وبذلك يدرك مقدار تحسُّن فهم كل فرد من أفراد المجموعة.

هل يوجد فرق بين التعليم التعاوني والتعلم التعاوني؟

لكل من يظن أنَّ التعليم التعاوني هو نفسه التعلم التعاوني نقول ثمة فرق بينهما:

يشير التعليم التعاوني إلى النهج التدريسي الذي يتطلب المشاركة النشطة والتعاون بين المعلم والطلاب، ويهدف إلى تعزيز المشاركة الفاعلة بتبادل الأفكار والآراء وبناء مهارات التعاون والعمل الجماعي.

يشير التعلم التعاوني إلى نهج لعملية تعلم الطلاب، فيتم تشجيعهم على التفاعل والتعاون مع بعضهم بعضاً، ويتركز حول تعزيز تبادل الأفكار والمعارف وحل المشكلات بشكل جماعي، ويهدف إلى تنمية مهارات التعاون والتواصل وحل المشكلات واتخاذ القرارات بشكل مشترك؛ أي إنَّ التعلم التعاوني هو جزء من أساليب التدريس وليس محتوى جديداً يراد تعلمه.

شاهد بالفديو: 12 طريقة لتحفيز الطلاب

 

مبادئ التعليم التعاوني:

مبادئ التعليم التعاوني هي مجموعة من المبادئ التوجيهية التي تركز على تعزيز التعاون والتفاعل بين المتعلِّمين لتحقيق هدف تعليمي مشترك، وتشمل هذه المبادئ:

1. المساهمة المشتركة:

تشجيع المتعلِّمين على المساهمة والمشاركة بنشاط في العمل الجماعي، فيشارك كل فرد خبراته ومعرفته لصالح المجموعة.

2. التواصل الفعال:

تشجيع التواصل المفتوح والمستمر بين المتعلِّمين لتبادل الأفكار والمعلومات والخبرات المتعلقة بالموضوع المدروس.

3. تبادل المعرفة:

تشجيع المتعلِّمين على مشاركة المعرفة والمهارات والتجارب الشخصية مع بعضهم بعضاً لتعزيز التعلم المشترك وتحقيق أهداف التعليم.

4. التعلم النشط والبناء:

تشجيع المتعلِّمين على المشاركة في التفاعل والمناقشة والبحث النشط، وتطبيق المعرفة في المشكلات العملية، وهذا يساعدهم على بناء مفاهيمهم وتطوير مهاراتهم.

5. التعلم الشخصي:

تركيز التعليم التعاوني على التعلم الشخصي لكل فرد في المجموعة، فيتم توجيه المتعلِّمين ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم الشخصية وتلبية احتياجاتهم الفردية.

6. التقييم المشترك:

تشجيع الطلاب على تقييم أداء أنفسهم وأداء زملائهم في حين واحد، وتبادل الملاحظات والتعليقات البنَّاءة لتحسين الأداء وتعزيز التعلم.

7. المسؤولية المشتركة:

تشجيع المتعلِّمين على تحمُّل المسؤولية المشتركة في عملية التعلم وتحقيق الأهداف، بحيث يشعروا بالتزامهم الشخصي تجاه فريقهم ونجاحه.

استراتيجيات التعليم التعاوني:

إنَّ استراتيجيات التعليم التعاوني تمثِّل الأدوات والتقنيات التي يستخدمها المعلمون لتحفيز التعاون والتفاعل بين الطلاب في الفصل الدراسي، تلك الاستراتيجيات لا تقتصر على تعزيز التعلم الأكاديمي فحسب، بل تسهم أيضاً في تطوير مهارات التفكير النقدي والتواصل والعمل الجماعي لدى الطلاب، من بينها:

  • أعط كل واحد من الطلاب مهمة محددة في مشروع مشترك واجعلهم يعملون معاً لإنجازها، على سبيل المثال، في درس العلوم عن النظام الشمسي، يمكن للمعلم تقسيم الفصل إلى مجموعات صغيرة ومنح كل مجموعة مهمة معينة مثل دراسة كوكب معين في النظام الشمسي، يمكن للطلاب في كل مجموعة أن يعملوا معاً على جمع المعلومات وإعداد عرض تقديمي مشترك عن الكوكب الذي درسوه.
  • مشاركة الطلاب في مجموعات صغيرة لمناقشة ومعالجة موضوعات معينة، مثلاً: في درس الأدب عن رواية معينة، يمكن للمعلم تنظيم مناقشة في الفصل عن موضوعات معينة في الرواية، يُطلب من الطلاب أن يجتمعوا في مجموعات صغيرة لمناقشة هذه الموضوعات ومشاركة أفكارهم وتحليلاتهم، بعد ذلك، يعودون إلى الفصل الدراسي ويشاركون أفكارهم مع باقي الفصل.
  • استخدام الألعاب والنشاطات التعاونية التي تشجع الطلاب على التفاعل والتعاون مع بعضهم بعضاً، مثلاً في درس اللغة الإنجليزية، يمكن للمعلم تنظيم لعبة مثل “لعبة الكلمات المتقاطعة الجماعية”، فيجب على الطلاب العمل معاً لملء الشبكة بكلمات تعبر عن مفردات معينة، يحتاج الطلاب إلى التفاوض والتواصل للعثور على كلمات مناسبة وملء الشبكة بشكل صحيح.
  • توفير فرص للتعاون والتعلم المتبادل بين الطلاب من خلال المناقشات والمشاريع المشتركة.
  • إقامة منصات للتواصل الجماعي والتفاعل بين الطلاب من خلال استخدام التكنولوجيا مثل البريد الإلكتروني والمنتديات الإلكترونية.
  • توفير فرص لتطوير مهارات الاختيار والتحليل واتخاذ القرارات من خلال المشاريع الجماعية.
  • تشجيع التعاون بين الطلاب في حل المشكلات والتعامل مع التحديات الصعبة.
  • توجيه الطلاب في تكوين مجموعات الدراسة وتعزيز التعلم المتبادل ومشاركة المعرفة، مثلاً، في مادة اللغة الأجنبية، يمكن للمعلم توجيه الطلاب في تكوين مجموعات لممارسة الحوار وتعلم اللغة الهدف، يتبادل الطلاب المعرفة ويساعدون بعضهم بعضاً في تحسين مهارات اللغة.
  • استخدام تقنيات التعلم النشط مثل التعلم بالمشاركة والتعلم بالتجربة والتعلم بالتدريب وتفادي الدروس المعلوماتية المملة.
  • تعزيز قيم التعاون والاحترام والاستماع المتبادل للآراء والآراء المختلفة بين الطلاب.

شاهد بالفديو: 8 صفات يتميّز بها المُعلم الناجح

 

فوائد ومميزات التعليم التعاوني:

عموماً يسهم التعليم التعاوني في تطوير شخصية الطالب وتحسين مهاراته الاجتماعية والتفكيرية والتعليمية وله عدة فوائد، من بينها:

  • تنمية الانتماء للمجموعة، وهذا يساعد الطلاب على تحقيق الهدف.
  • مساعدة الطلبة المتفوقين لزملائهم تمنحهم فرصة كسب أصدقاء جدد.
  • احترام الطلاب لأنفسهم وزيادة ثقتهم بنفسهم وزيادة الدافعية الداخلية وزيادة الحافز الذاتي نحو التعلم.
  • استفادة الطلاب الضعاف من زملائهم المتميزين في إنجاز مهام تصعب عليهم.
  • ارتفاع التحصيل العلمي للتلاميذ، وتحسين قدرات تفكيرهم وتذكر المعارف لفترات طويلة.
  • نمو مهارات التعاون الإيجابية بين التلاميذ أفراداً ومجموعات، والذي ينمي قدراتهم الإبداعية.
  • تحسين توجيه التلاميذ نحو المقررات الدراسية والمعلمين والمدرسة.
  • انخفاض السلوكات السلبية بين التلاميذ وتدريب التلاميذ على الالتزام بآداب الاستماع والتحدث وتنميتها.
  • استخدام عمليات التفكير العلمي بشكل واسع.
  • ينمي مهارات اجتماعية عديدة منها التعاون والتنظيم وتحمل المسؤولية والمشاركة وإبداء الرأي والحصول على تغذية راجعة.
  • يقلل من القلق والتوتر وانطوائية بعض التلاميذ.
  • ينمي القدرة على تطبيق ما يتعلمه التلاميذ في مواقف جديدة.
  • يؤدي إلى تناقص التعصب للرأي والذاتية وتقبل الرأي الآخر.
  • تقليل جهد المعلم في متابعة وعلاج ضعف التلاميذ ومشكلاتهم.
  • يسهم في كسر الروتين وإثارة الحيوية والتواصل في غرفة الصف.
  • تقوية روابط الصداقة والاحترام والعلاقات الشخصية بين التلاميذ.

معوقات التعليم التعاوني:

توجد بعض المعوقات التي تقف أمام تطبيق التعليم التعاوني وينبغي التصدي لها والعمل على إيجاد الدعم اللازم لتعزيز نهج التعليم التعاوني، ومن بين المعوقات:

  • عدم حصول المعلمين على التدريب الكافي لاستخدام التعليم التعاوني.
  • كثرة أعداد الطلاب في الصف الواحد مع ضيق مساحته.
  • الخوف من التجريب لضعف إدارة الصف وضبطه.
  • نقص الأدوات والأجهزة.
  • سلبية بعض التلاميذ وعدم التزامهم ومشاركتهم بالعمل.
  • رغبة بعض التلاميذ باحتكار الأعمال وتنفيذها بشكل فردي.
  • غموض التفاهم بين أعضاء المجموعة وعدم وجود وقت كاف لذلك.
  • عدم مشاركة التلاميذ في عمليات التفاعل.

سلبيات التعليم التعاوني:

بصفة عامة، تعد السلبيات المرتبطة بالتعليم التعاوني نتيجة لعدم التوازن بين الاحتياجات الفردية واحتياجات الفريق، ومن السلبيات نرى الآتي:

1. تباين في المستوى التعليمي:

المجموعة تبنى على التباين في المستويات، وهذا يؤدي إلى صعوبة في معالجة احتياجات الجميع بشكل فعال.

2. التقدم الأكاديمي:

تفاوت أو تباعد بالتقدم الأكاديمي بسبب الاعتماد على المجموعات التعاونية.

3. الاعتماد على الذات:

قد يؤدي التعليم التعاوني إلى ضعف الاعتماد على الذات ولا يتعلمون التفكير المستقل وحل المشكلات بأنفسهم.

4. عدم التوازن بالاعتمادية:

يقوم بعض أفراد المجموعة بكل الأبحاث والأعمال الإضافية، بينما يعتمد بقية الأفراد عليهم كلياً.

5. صعوبة في التقييم:

إذ لا يمكن تحديد مستوى أداء كل طالب في العمل الجماعي، فلا يتم التركيز على الأداء الفردي وإجراء التقييمات الفردية بنفس القدر.

6. تأخر في الإنجاز:

يستغرق التعليم التعاوني وقتاً أطول بسبب التشاور واتخاذ القرارات المشتركة، وهذا يبطئ التعلم والإنجاز.

7. تطبيق التعليم التعاوني:

صعوبة تطبيق التعليم التعاوني على موضوعات معينة مثل الموضوعات التقنية التي تتطلب معرفة خاصة أو الاعتماد على المعلم بشكل أكبر.

في الختام:

يوضح التعليم التعاوني أنَّ التعاون هو أساس لتحقيق تطور وتقدم مستدام في مجال التعليم، فيجب على المجتمع والمدارس والأهل والطلاب أن يعملوا معاً لتنمية مهارات التعاون وبناء بيئة تعليمية تشجع التفاعل والتعاون بين الجميع، فالتعليم التعاوني يعزز التفكير النقدي وتطوير مهارات حل المشكلات والعمل الجماعي، وهذا بدوره يسهم في تأهيل شبابنا لمواكبة تحديات المستقبل وتحقيق النجاح الشخصي والاجتماعي؛ لذا يجب أن ندعم ونشجع استخدام نمط التعليم التعاوني في المدارس، وتوفير الموارد اللازمة لتنمية هذه المهارات للجميع، فالتعاون هو المفتاح لبناء مجتمع تعليمي متقدم ومتماسك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى